١٣٦

1K 47 8
                                    

أوقف يوسف السيارة أمام باب المنزل، ورمى نظرة على منال التي كانت منكمشة وشاردة في النافذة.
كان في ورطة، فهو لا يعرف كيف سيخبرها بكل ما حصل مع فارس، هي حتى الآن لا تعرف أنه سمعهما، ولا بكل المصائب التي حصلت بعد ذلك.

تحركت منال ببطء لتفتح باب السيارة، وفوجئت حين أقفله يوسف بضغطة زر. عقدت حاجبيها والتفتت إليه.. لاحظت هزّه السريع لقدمه وحركاته غير المستقرة، وأحست بانزعاج شديد.. كيف يجرؤ على أن ينتشي الآن في ظل كل هذه الظروف؟

قال بصوت هادئ وهو يمرر كفه على المقود: تشاجرتُ مع فارس قبل مجيئي إليكِ.
تجمدت منال.. ماهذه المقدمة المرعبة؟ كما أنها لم تكن تعرف كيف سيتصرف يوسف مع فارس حين يكون منتشيا هكذا.. قالت بصوت حاد: لماذا؟ وماذا فعلتَ له؟
كشر يوسف عن أنيابه والتفت إليها.. صرخ بها بحدة وهو يضرب المقود: ماذا فعلتُ له؟ ماذا تعنين بهذا تحديدا؟

انتفضت منال مع الصرخة.. أحست بأعصابها تنهار.. قالت بضيق شديد: توقف عن الصراخ هكذا! لا تعاملني بهذا الأسلوب!
أحنى يوسف جسمه باتجاهها وغمغم: سأعاملكِ كيفما شئتُ، وسأفعل ما أشاء، ولن تنطقي بحرف. لقد سئمتُ من اتهاماتكِ لي ومن رفضكِ لي، من الآن فصاعدا ستجري الأمور كما أريد أنا!

أحست منال بألم حاد في صدرها.. قالت بصوت مهزوز وضعيف، على عكس ما توقع يوسف: متى رفضتُك يا يوسف؟ كل ما أفعله طيلة الوقت هو التعبير عن احتياجي لوجودك.. متى رفضتُك تحديدا؟ كما أنني لم أكن أتهمك، كل ما في الأمر أنني لا أعرف كيف ستتصرف مع فارس وأنت تحت تأثير المخدرات اللعينة.. انظر كيف تتصرف معي وكيف تكلمني! من الطبيعي أن أتساءل!!

احتد تنفس يوسف بشدة.. كانت محقة، وكان هو المخطئ. لأول مرة كانت هي تفعل كل ما بوسعها لتتقبله وتكون بقربه، وكان هو من يرفضها ويبعدها عنه.. كان فقط مجروحا ومتعبا وغاضبا للغاية.
أغمض عينيه وغمغم: اخرسي. لا تتكلمي. لا أريد أن أسمع صوتكِ.
اتسعت عينا منال.. مزيد من هذه القسوة المجنونة رغم ردها الذي لم يحمل شيئا إلا رجاءً حارا له أن يتوقف؟ لم تكن تتوقع هذا من يوسف الذي يضعف مباشرة حين تعامله بمودة.

سكتت مضطرة، رغم كراهيتها الشديدة لذلك. ولكنها لم تجرؤ على الكلام.. لم تكن تريد أن تتأذى أكثر، لا نفسيا ولا جسديا.
فتح يوسف باب السيارة حين سكتا ونزل وهو يصفق الباب خلفه بشدة، وتبعته منال بصمت وهي تحاول أن توقف كفيها عن الارتجاف.
حين دخلا المنزل، فوجئت منال بوجود سارة في غرفة المعيشة، بينما عض يوسف على شفته، كان قد نسي وجودها هو الآخر بسبب انفعاله.

رمتهما سارة بنظرة وأحست باستيائها يزيد، فكلاهما بديا في حال فظيع، تماما كما كان فارس.
قالت لمنال بهدوء: منال، هل أنتِ بخير؟ أخبرني يوسف أنكِ كنتِ في المستشفى.
تنهدت منال وقالت بصوت متعب: أهلا بكِ سارة.. نعم أنا بخير، احتجتُ لبعض الإبر فحسب.
عبست سارة وقالت: إذن أخبراني ماذا يجري.. كيف لفارس أن يكون بهذا السوء؟ لقد نام منذ قليل، ولكنه قضى أكثر من ساعة في بكاء مستمر، وذلك بعد أن فرغ من الصراخ وتمزيق كل كتاب يملكه. أرجوكما أخبراني بما يجري، كيف لطفل أن يصل إلى هذه الحالة؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن