٩٩

1.2K 57 6
                                    

بعد أن غادر يوسف المنزل دون أن يلقي كلمة أو يرمي حتى نظرة باتجاه منال، مصطحبا معه فارس إلى المدرسة، أمسكت منال بهاتفها الذي أظهرت شاشته رقم ابتسام وقلبته بين يديها.. كانت تحس بحاجة ماسة للتواصل معها إثر ما رأت في الخزنة.. كانت تتساءل، هل تفحصت ابتسام المحتويات قبل أن تعطيها؟ وماذا عن بقية مافي الصندوق؟
لقد ترددت بخصوص إرجاع الأشياء لابتسام، ورغبت بالاطلاع على بقية المحتوى، لعلها تجد فيها شيئا يخفف تقززها من أبيها ولو قليلا. ولكنها كانت خائفة من أن تجد شيئا له نتيجة عكسية.

كانت جالسة على السرير وقد وضعت عليها ثلاث قطع ملابس علوية وبنطالين، بالإضافة للحاف الصوفي الملفوف عليها. إنها ترتعش بردا كما ظل جسمها ضعيفا بعد العملية.. ولايزال نزيفها مستمرا وإن كان طفيفا، واضطرت لاستعمال فوطة صحية.

حسمت أمرها في النهاية وهاتفت ابتسام.. وصلها صوت ابتسام بعد عدة رنات متعجبا، لم تكن تتوقع ذلك الاتصال..: منال؟ أهلا وسهلا!
تنهدت منال.. صوت ابتسام كان رقيقا وودودا.. يالها من نبرة لم تعتد منال على سماعها..: صباح الخير.. كيف حالكِ؟
: بخير، إنني بخير. ماذا عنكِ؟
ضغطت منال بيدها على جبينها بإرهاق.. إنها ليست بخير على الإطلاق، ولكنها ستكذب كعادتها، لاتريد أن تنهار مرة أخرى أمام ابتسام.
قالت بصوت متماسك: شكرا لكِ. أنا بخير. -سحبت نفسا- أردتُ أن أتكلم معكِ بخصوص أغراض أحمد التي أعطيتِني.

تنهدت ابتسام: حسنا.. ما رأيكِ أن نلتقي؟
: لا بأس. متى وأين؟
فكرت ابتسام قبل أن تجيب: أنا في العمل الآن، باستطاعتي الخروج لساعة أو ساعتين.. أعرف مقهى يقع وسط الطريق بيننا تقريبا، يمكننا الالتقاء هناك.
: لستُ مستعجلة، ليس عليكِ أن تتركي العمل إن-
قاطعتها بإصرار: لا عليكِ، أريد الالتقاء بك.
زفرت منال: حسنا.. أين المقهى إذن؟
: سأرسل لكِ مكانه.
: اتفقنا.

تركت منال هاتفها، بدلت ثيابها وتدفأت بعناية من جديد.. كانت تحس أن ساقيها ضعيفتان، وأن قدميها لا تحملانها، ولكنها رغبت بشدة أن تكون مع ابتسام.
إنها تعرف صعوبة وضعها، فهرموناتها فوضوية بعد الحمل والعملية، والمشاهد التي رأتها، وصورة أبيها في حضنه يوسف، كانت تؤرقها وتعذبها. عرفت أن الكلام مع ابتسام سيساعدها. بالطبع، لم تكن لتكلمها عن ما رأت، ولكنها أرادت الكلام عن أبيها وحسب، عارفةً أن ذلك سيخفف عنها بشكل ما.

ما إن فتحت منال باب المنزل فوجئت بسامر يظهر في وجهها..
: عذرا سيدتي.. أمر السيد يوسف أن تبقي في المنزل.
رفعت حاجبيها وظلت جامدة للحظات.. غمغمت: نعم؟
تنهد سامر..: لا يمكنني السماح لكِ بالخروج. أنا آسف.
مررت لسانها داخل فمها بغيظ.. مضت مدة طويلة منذ عايشت هذا الموقف.. كانت معتادة عليه في الماضي، ولكن يوسف توقف عن التدخل في تحركاتها منذ أمد بعيد، تقريبا منذ عادت من هروبها القديم. صحيح أنها ماتزال مراقبة أينما ذهبت، ولكنها كانت مجرد مراقبة لا أكثر.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن