١٢٠

1.5K 45 12
                                    

صباح الخير..
شكرا لتفاعلكم ومتابعتكم، كل تعليق محل تقدير واهتمام.
ردا على من استفسر عن مواعيد التنزيل، يصعب تحديد مواعيد ثابتة، سيكون التنزيل كثيفا أو بطيئا حسب القدرة، لكنني سأحاول تجنب الانقطاع الطويل قدر المستطاع.

شكرا.

كانت منال جالسة في صالة المنزل.. فارس في غرفته، وهي جالسة تقلّب في هاتفها.
كانت مضطربة، إن يوسف يستغرق وقتا طويلا، أكثر بكثير مما توقعت. لقد اعتقدت أنه سيذهب لساعة أو ساعتين ويعود كعادته.
ولكن ساعاتٍ مضت على غيابه، وكان الألم في قلبها يكبر شيئا فشيئا..
تساءلت لو كانت غبية، لأنها طلبت منه الذهاب، لأنها سمحت له بمنح غيرها الحميمية التي يجب أن تكون حصرا وملكا لها وحدها.
كانت الفكرة تؤلمها، وكان تصوّره وهو يلمس أي أنثى غيرها، يجعلها تحس بالدوار، وبالضآلة والاختناق.
إذا كانت تحاول أن تؤسس حياة صحية مع يوسف، عليها أن تنشط وتوقظ حبها له، وإذا كانت ستحبه، لم تكن تتصور أن باستطاعتها تحمّل ممارسته مع نساء غيرها. ولكن في الوقت نفسه، إن كانت تحبه، لن تتحمل أن يؤذيها، أو يفرغ أمراضه الجنسية عليها. وهكذا، كانت محصورة بين خيارين لا تطيق أيا منهما.

رفعت عينيها عن هاتفها حين قاطعت خطوات فارس شرودها..
نظرت إليه وابتسمت.. كان يتقدم منها بتردد وهو يعبث بشعره مضطربا. قالت بمحبة: أهلا وسهلا.. كيف حال أرنبي الصغير؟
ابتسم فارس بصعوبة.. إنه لم يعد غاضبا على أمه بعد الآن إلا بنسبة بسيطة، وكان يحس أنه يفتقدها، يفتقدها كثيرا.
إن نظام حياته ونشأته في صغره، والتي جعلت من أمه محور كونه والشخص الوحيد المقرب له، جعله يتعلق بها تعلقا غير طبيعي، وغير صحي. إنه لا يتحمل الابتعاد عنها، وهذه المسافة بينهما خلال الفترة الأخيرة كانت تعذبه.

تقدم منها وهو يحس باحتياج كبير لحنانها.. قفز على حضنها دون أن يتكلم وأراح جسده عليها..
رفعت منال حاجبيها بتعجب من التصرف غير المتوقع.. أحست بارتياح كبير مع ذلك ولفت ذراعيها حوله، وبدأت تعبث بشعره بأطراف أصابعها، كعادتها.
أغمض فارس عينيه باطمئنان.. طمأنينة لا يجدها في أي مكان آخر، ولا حتى عند أبيه.
في حضن أمه يحس أنه محمي من الدنيا، من كل شيء، من أي خطر، من أي ضرر، وحتى من أفكاره هو.
ميّل عينيه إلى كفها المضمدة التي كانت مرتاحة على فخذها.. ارتجفت شفته بأسى، ثمّ مد كفيه، وبنعومة أمسك بكفها بينهما، وحملها ليريحها على حضنه.

أخذ فارس يدلك كفها بين كفيه وهو يفكر بعمق.. قبّلت شعره وهي تتساءل بماذا يفكر حين يرى يدها، هي واثقة أنه يربط هذه اليد الآن بيوسف.. ولكن.. كيف يجعله هذا يحس، وما هي الأفكار التي تنتج عن ذلك؟
تنهدت وهي تحس بالحرص الكبير في لمساته، وكأنه يحاول أن يشفي يدها ويعالجها.. أسندت وجنتها على رأسه قبل أن تهمس: أنت بخير يا عصفوري؟
تنهد. ياله من حنان غير معقول، ومحبّة عارمة، هذه التي يحس بها في صوتها.
شدّ نفسه بقوة إلى حضنها محاولا أن يغرق في ذلك الشعور أكثر وأكثر.. وقال بشرود حزين وهو يتأمل يدها: هل تؤلمكِ؟
تعجبت منال من السؤال، رغم أنه كان متوقعا.. قالت بهدوء: قليلا فقط. إنها على وشك التعافي. لا تقلق يا فارس.
تنهد فارس.. ليس وكأنها ستخبره إذا كانت تتألم بالفعل.. قال بأسى: ماما.. سأسألكِ شيئا..
دلّكت ظهره بكفها وقالت بنعومة: اسأل ما تشاء..
تردد فارس، ثم غير رأيه حين أدرك أنه لا يثق بصدق الجواب الذي يحصل عليه.. قال بالنغمة الحزينة ذاتها: لا.. لن أسألكِ.. سأقول لك شيئا.
عادت يدها لتلاعب منابت شعره الناعم، قالت بهدوء: حسنا حبيبي، قل.
مرر أصابعه الصغيرة على ضمادتها.. همس: إذا كنتِ تبقين مع بابا لأجلي.. إذا كنتِ لا تنفصلين عنه بسببي.. لا تفعلي ذلك. سأكون بخير، يجب أن تتركيه إذا كانت تلك رغبتكِ. أرجوك، لا تفكري بي، سوف نكون بخير.
اتسعت عينا منال بذهول.. يصدمها فارس كل مرة.. هي تعرف كم هو ذكي وناضج وحساس، ومع ذلك يتجاوز تقديراتها، كل مرة.
قبل أن تجيب، تابع فارس بكآبة وهو يعبث بأطراف أصابعها الظاهرة بعد نهاية الضمادة: أنا آسف ماما. لقد، لقد ضغطت عليكِ كي تبقي معه. لقد غضبتُ كل مرة، حين رغبتِ في الانفصال، ولقد ظللت أخبركِ أنني أريدكما أن تبقيا سوية، ولكنني لم أكن أعرف ما يجري.. والآن.. تضطرين لأن... -اهتز صوته غير قادر على النطق بأفعال أبيه بصوت عال- آسف، أرجوكِ افعلي ما تريدين. و.. أنا آسف لأنني كنت أدافع عنه ضدكِ.. لقد كنت غبيا.. آسف.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن