٥١

1.7K 64 9
                                    

أفاق فارس من نومه قبيل الفجر.. لم تكن عادته أن يصحو هذا الوقت ولكنه اكتفى بما أنه نام أبكر من عادته كذلك بعد مجهود الأمس.
خرج من غرفته باحثا عن منال، تفاجأ حين وجدها نائمة على الكنبة في الصالة. أحس بالقلق، لماذا لم تنم مع أبيه كالعادة؟
تركها وذهب إلى غرفتهما، بلع ريقه بخوف حين وجدها خالية، لم يكن يوسف هناك ولا في الحمام.. تعجل نحو غرفة المكتب ولم يجده..
عاد إليها مسرعا وهزها قائلا بصوت مهزوز: ماما.. ماما، أفيقي!
فتحت عينيها ببطء، رمشت عدة مرات قبل أن تبرمج وجود فارس أمامها وملامحه المنكمشة، جلست بقلق وهي تلقي نظرة على النافذة المظلمة..: ما المشكلة؟ لماذا استيقظت في مثل هذا الوقت؟
تجاهل سؤالها وقال مضطربا: أين بابا؟
سكتت لحظات..: أليس في الغرفة؟
هز رأسه بالنفي وبدأ يدمع.. تمالكت نفسها وابتسمت: صحيح، لقد نسيت، لقد ظهرت مشكلة تخص العمل وذهب لأجلها. كنت بين النوم واليقظة حين ذهب ولهذا نسيت.
هدأ فارس بعض الشيء ومسح عينيه: العمل فقط؟
تنهدت..: بالطبع فقط.. ماذا سيكون غيره؟ اهدأ يا فارس.. لاتخف. قلت لك أن أحدنا لن يتركك.
جلس بجانبها واسترخى في حضنها باحثا عن الطمأنينة.. هدأ تدريجيا.. أمه نائمة هنا لأن أباه ليس موجودا، إذن فهما على وفاق على عكس قلقه حين رآها في الصالة. وأبوه ذهب لأجل العمل فحسب. خفتت مخاوفه فيما كانت منال تمسح على شعره وهي تفكر أين ذهب يوسف اللعين. بالطبع، كانت تعرف، فشيء واحد فقط يجعله يترك المنزل في مثل تلك الساعة.
: لماذا أفقت يافارس؟
هز كتفيه وهو ينهض: أشعر بالنشاط. نمت كثيرا.
تذكرت أنه نام مبكرا، وشتمت قلة حرصها. فهي نامت في الصالة لأنها كانت واثقة أنها ستفيق قبله، وهكذا لم تقلق من رؤيته لها بعيدا عن أبيه. بالطبع، لم تتوقع أن يوسف سيختفي من الساحة أصلا.
نهضت هي الأخرى: اذهب واغتسل. سأتجهز وسنذهب لرؤية شروق الشمس في مكان ظريف. ما رأيك؟
قفز بحماسة وركض ذاهبا إلى حمامه وهو يقول رافعا صوته: فكرة عبقرية!
ابتسمت.. ذابت ابتسامتها بعد ثوان وهي ترفع هاتفها.. اتصلت بيوسف، وصلها صوته بعد عدة رنات.. لاهثا ومضطربا، ونافد الصبر، والموسيقى تصدح خلفه: نعم يامنال؟
صرت على أسنانها.. القذر منزعج لأنها قاطعته. لقد هرب من المنزل لأنه لم يعد يستطيع كبت شهوته، كان عليه أن يفرغها في مكان ما قبل أن يعود بما أنه لم يكن يستطيع إفراغها في مكانه المفضل: هي.
قالت من بين أسنانها: كم مرة سأقول لك أن لا تترك المنزل في أوقات كهذه؟ نحن لم نعد نعيش وحدنا!
سحب نفسا محاولا السيطرة على صوته.. لم يكن يريدها أن تلاحظ غيابه، كان يخطط للتسلل سريعا، للذهاب إلى مكانه المفضل، حيث فتياته المفضلات، ثم يعود قبل أن يتم ساعتين من الغياب. لم يكن يريدها أن ترى حيوانيته أكثر.. ولم يكن يستطيع أن يتحمل منع نفسه. فلو منع نفسه لاضطر لإجبارها هي. أو لجن من العصبية والغضب.. وهذان شيئان لم يكن يريد فعلهما.
قال بتوتر: هل لاحظ فارس شيئا؟
زفرت بغيظ.. هذا اللعين عديم المسؤولية كعادته.. إنه يخيب ظنها في كل مرة تتوقع منه أن يتصرف كإنسان عاقل بالغ مسيطر على نفسه.
وصلها صوت أنثى.. صوت غنجي مدلل يكلمه.. أحست ببطنها يدور.. قالت بصوت مشمئز بعد أن يئست حتى من الكلام: قلت له أنك ذهبت لعمل طرأ، حافظ على الكذبة إذا سألك.
أغلقت الهاتف بعصبية ورمته بجانبها، لحظات وقفزت من مكانها إلى الحمام وتقيأت كل مافي بطنها.. غسلت وجهها وهي تلهث بإرهاق..
إنها لم تكن تطيق سلوكه هذا، حتى في الماضي. ليس لأنها تريده لنفسها، إنها تريد بعده عنها. ولكن ذلك التصرف يجعلها تشعر أنها لاقيمة لها، وكأنها لاشيء.
كانت تتأذى ولا تفهم لماذا، إنه شعور معقد وغريب، ولكنها كانت ترى أن ارتباطهما العميق، ولو كان مقززا ومشوها، يجب أن يمنعه عن العبث يمنة ويسرة كما يجب أن يمنعه عن إجبارها. كانت ترى أنه لو كان يحبها كما يقول، يفترض به أن يكون مخلصا.
عاد إلى ذهنها صوت المرأة التي كلمته وآلمتها معدتها من جديد شاعرة بألم آخر مزعج في قلبها.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن