١٤٥

447 46 16
                                    

تقدم يوسف بخطوات واسعة وبطيئة في الوقت ذاته.. لم يعترضه الحارس الذي كانت نهى قد أبلغته مسبقا بقدوم يوسف المتوقع.

التفت ريان وريم كلاهما على مجيء يوسف، وتغير وجه ريان مباشرة بمزيج من الانزعاج والاشمئزاز، وشيء من العار حاول إخفاءه.
مع ذلك، لم يفلت ذراع ريم، وقال بحدة: ماذا تفعل هنا؟
وقف يوسف أمامهما، نقل بصره بين ريم وبين ريان قبل أن يقول بصوت في غاية الهدوء: أفلتها، حالا.
سكت ريان بصدمة، ثم بعناد شدّ كفه على ريم أكثر مما جعلها تطلق آهة ألم مكتومة.. قال ببرود: ليس من شأنك كيف أتصرف مع ابنتي يا يوسف.
حرّك يوسف فكّه بغضب مكبوت، قبض كفّه وفردها بعصبية قبل أن يطلق زمجرة مكتومة: لا تستعمل ابنتك كي تستفزني، أيها الحثالة. أفلتها ولا تجعلني أتدخل، سأكسر أصابعك القذرة واحدا واحدا لو تدخلتُ.

اكفهر وجه ريان وضغط على ذراعها أكثر مفرغا غضبه.. لاحظ يوسف وجهها الذي تلون بالألم فتقدم بعينين مشتعلتين، لحظتها فقط أفلتها ريان الذي لم يرد أن يخوض مواجهة جسدية مع يوسف أمام ابنته، حيث لم تكن هذه مواجهة يستطيع الفوز بها.
انكمشت ريم وهي تدلك عضدها بعينين مليئتين بالدموع.. سحب يوسف نفسا عميقا وهو يحس بالتعب يستهلكه.. ثبّت عينيه في عيني ريان وقال بجدية: هل فقدتَ عقلك؟ ماذا تظن أنك تفعل؟
كرر ريان بانزعاج: هذا ليس من شأنك، قلتُ لك!
امتعض يوسف.. لم يكن هدفه الشجار، لقد سئم الشجارات مع تلك العائلة الملعونة.. كل ما أراده كان حماية ريم. لم يعد يريد أن يرى أطفالا يعانون في هذا المنزل..

قال يوسف بصوت هادئ للغاية، وهو يحاول السيطرة على أعصابه: هذا ليس تحديا، يا ريان، أنا لا أحاول إثبات شيء هنا، لقد ظننتُ فقط أن ما حصل لنا مع حسام يكفي كي يعلمنا أن لا نكون مثله. لقد اكتفيتُ من هذا، لقد اكتفيت من إرثه المقزز الذي يخيم على حياتنا، أنت لست غبيا، أنت تفهم خطورة سلسلة العنف هذه، ويجب أن لا تكون جزءا منها.

ظهرت الدفاعية بوضوح على وجه ريان، الذي لم يكن يريد أن يُتهم مثل هذا الاتهام.
لقد كان ريان يعيش صراعا نفسيا صعبا.. طيلة حياته ومنذ طفولته، تبنى رؤية أبيه، وقدوته الأولى، تجاه يوسف. لقد علمه والده أن يوسف ليس إلا دخيلا، وأنه يستحق ما يجري له. علمه أنه هو الشرير في الحكاية، ولقد تمسك ريان دائما بذلك الإيمان، وحجب عن عقله كل ما يمسه.
كانت إصابات حسام وضعفه ثم موته، أحداثا هزت ريان وحطمته من الداخل، مما جعل ذلك الشعور ينمو أكثر في داخله.
ولكن، لحظات مثل هذه، عندما كان يواجهه يوسف ببشاعة جرائم أبيه، وعندما كان يرى بوضوح أن أباه زرع في داخله بذرة العنف هذه، أن حسام هو السبب الوحيد الذي يجعله يرغب هكذا ويستلذ بإيذاء ابنته، كان يجد نفسه مضطرا لفهم وجهة نظر يوسف، وهذا كان يرعبه، ويجعله يقاوم بجنون.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن