١٠٢

1.2K 53 9
                                    


فتح يوسف عينيه.. تقلصت ملامحه ألما حين حرك كفه المحطمة.. حرّك جسمه وأحس ببرودة حيث تكون منال مستندةً عادة، اعتدل جالسا ورمش محاولا استعادة وضوح بصره.. لم تكن منال في السرير..
كان في الليلة السابقة بعد عودته من العيادة قد نام بجانبها مرة أخرى، وسحبها إلى حضنه إجبارا دون أن يسألها عن رأيها في ذلك.. كان يعرف، لن يتحمل النوم هذه المرة بعيدا عنها..

تنهد وتحامل على نفسه لينهض.. شهق متفاجئا حين رأى الساعة تشير للواحدة ظهرا! كيف نام كل هذا الوقت؟
نظر ليده التي لُفت كل أصابعها ثم لفّت هي كلّها دفعة واحدة كي لا يتحرك شيء من العظام المكسورة وتساءل كيف سيبرر هذا لفارس..
تذكر أن يد منال هي الأخرى مضمدة وأحس بالغباء.. لم يكن عليه أن يؤذي نفسه في موضعٍ مرئي مثل كفه، فهذه الأحداث لم تعد قابلة للتفسير بالصدفة وبالأخطاء العشوائية، فارس ليس غبيا، وسيعرف أن هناك مشكلة ما. مشكلةٌ يشك هو بالفعل بوجودها.

استحم ببطء وكسل قبل أن يضع ملابس بيتيّة.. لن يخرج، فهذه كانت عطلة نهاية الأسبوع، ولقد اعتاد هو ومنال هذه الأسابيع الأخيرة على تركيز كل وقتهما لفارس خلالها بغض النظر عن حالتهما النفسية.
تقصّد اختيار كنزة ذات أكمام بالغة الطول، وأخفى وراء الكم الطويل يده المصابة بحيث لا تظهر إلا أطراف أصابعه.
لم تكن وسيلة إخفاء ذكية، ولكنها ستؤجل ملاحظة فارس ليده على الأقل لو استمر بإبقائها بعيدا عن عينيه ولم يستعملها.
كما أخفى كدمته بمستحضرات التجميل الخاصة بمنال.. والتي وجدها جاهزة أمام المرآة.. جعله هذا يتذكر أنها هي كذلك، اضطرت لإخفاء كدمة وجهها قبل أن تخرج من الغرفة.

حين خرج من غرفته وصلت لأنفه رائحة طعام، ووجد فارس في الصالة يجهّز المائدة. عبس ممتعضا، لم يكن يوسف يطيق أن تفوح رائحة الطعام في البيت، يصيبه ذلك بالجنون. دائما في أوقات الطعام تُشعَل الفواحات والشموع والمعطرات الكهربائية ويكون جهاز تنقية الهواء مشغّلا. تعرف منال جيدا حساسية ذلك الأمر عنده ولا تخاطر بعكسه.
ولكن الرائحة هذه المرة كانت أقوى من العادة.. تساءلَ عن السبب..
أفاق من أفكاره حين اقترب منه بندق ومسح نفسه بساقه بتودد.. ابتسم يوسف وحمله وهو يداعبه وتابع طريقه للصالة..

هدأ أكثر حين تأمل فارس لحظات وأحس بالأمان الذي يغمره دائما حين يكون حوله.. ذلك الشعور الصادق بالمحبة الذي يمنحه فارس إياه.. أحس برغبة حادة في معانقته.. سحب نفسا، وضع بندق أرضا وابتسم لفارس محييا بمودة: مساء الخير.
رد فارس الابتسامة سعيدا برؤية أبيه: أهلا! لقد تأخرت.. أصبحتَ كسولا!
حك يوسف شعره بإحراج: آسف.. سأعوضك الليلة.. سنفعل أي شيء تريد.
لعق فارس شفتيه بفطنة وهو يضع الطبق الأخير فوق المائدة: تعرف أنني سأحرص على استغلال هذا يابابا!
ضحك يوسف رغم إحساسه بالإجهاد وتلفت باحثا عن منال التي لم تظهر حتى الآن..: إذن.. ماذا سنأكل؟
أجاب فارس بفرح: لا أعرف! لقد قررت ماما أن تتواضع وتطبخ لنا بنفسها أخيرا!

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن