دفعت منال باب الغرفة بتردد لتدخل بعد أن طال الوقت ولم يخرج يوسف.. كانت قلقة.. لقد توقعت أن يخرج مباشرة حتى بعد أن أعادت الكهرباء للغرفة.. كما توقعت أن يخرج غاضبا ويهاجمها كي يفرغ غضبه.. ولكنها لم تسمع صوتا واحدا منذ فتحت الباب، وذلك كان منذ نصف ساعة تقريبا..
ارتعشت حين دخلت، ورأت يوسف.. كان جالسا في زاوية الغرفة المقلوبة رأسا على عقب، ملصقا جسمه بالجدارين المحيطين به، كان يثني ساقيه ويشدهما إلى جسده، ويرخي ذراعيه فوق ركبتيه.. كانت عيناه منتفختين وثابتتين على نقطة واحدة أمامه، وكان شعره فوضويا وأزرار قميصه مقطعة.. ولم يلتفت إليها مع دخولها.
حين أمعنت النظر إليه لاحظت تورما شديدا مدمًى على جانب جبينه.. رفعت نظرها إلى الجدار فوقه، كان على الجدار أثر دم واضح.. زفرت حين أدركت أن الصوت الذي سمعته كان صوت هذا المجنون وهو يسحق رأسه على الجدار.قالت بصوت هادئ: يوسف؟
لم يلتفت نحوها ولكنه شد جسمه أكثر.. فركت جبينها بقلق وقالت: يوسف.. أنت بخير؟
لا استجابة..
تقدمت منه ببطء وقالت: عليك أن تذهب للمشفى، قد تكون مصابا بارتجاج..
لم يجب ولكنه شد جسمه ضاما ساقيه إليه وغرس كفه في شعره.. لحظتها أدركت أنه ليس غاضبا، إنما هو خائف.
لم يكن هذا مشهدا معتادا.. إنها لم تر يوسف هكذا من قبل..
بعد لحظات تفكير اتجهت إلى النافذة المؤدية للشرفة، أخرجت مفتاحها من جيبها وفتحتها على مصراعيها وأسقطت اللحاف الذي كان يغطيها ليدخل نور الشمس المكان.منذ دخلت منال الغرفة كان يوسف يحس أنه في بئر عميق.. كان يحس أنه مهدد من كل الاتجاهات، أشباح كثيرة كانت تحيط به، رعبٌ وذعر كان يمزقه من الداخل لشعوره أنه ضعيف وعاجز للغاية.. لشعوره أن إيذاءه سهل جدا..
منذ الليل كان عالقا في حلقة من الذكريات الشنيعة.. ذكريات طفولته القبيحة..
بعد أن كان يضربه حسام ترميه نهى في الغرفة المظلمة، بلا طعام، بلا ماء، بلا حتى دورة مياه.. يجلس على ركبتيه أمام الباب ويبكي وهو يعد نهى أنه سيحسن التصرف، أنه لن يزعجها ولن يظهر أمامها، ويرجوها أن تتركه يخرج من ذلك المكان. لم يكن يصله أي جواب، كان بعدها يستلقي أمام الباب غير قادر أن يميز شيئا من تفاصيل المكان.. لم يكن يفكر بشيء، لم يكن حتى يستطيع إلهاء نفسه بأفكاره، لأن الخوف وقتها كان يجمد جسده.. ولهذا كان يظل على وضعه مستلقيا غير قادر على الحركة مثبتا عينيه في المكان الذي يتوقع أنه الباب، بانتظار أي صوت، أي صوت على الإطلاق ينقذه من شعور أنه مرمي في ثقب أسود مرعب.
تعود إلى ذاكرته كذلك لعبة أبيه المفضلة.. حين كان يرمى في الاسطبل وسط القذارة.. مربوطا بسلسلة إلى الحائط.
تبدأ اللعبة حين يطفئ حسام كل الأنوار.. يسود ظلام الليل الدامس على المكان، يعرف يوسف لحظتها أنه مهدد، أن حسام دون شك سيهاجمه، ولكنه يعجز عن تحديد أين، ومتى.
وهكذا يقضي يوسف الليل كله مرتعبا بانتظار ضربة من أي اتجاه.. وهنا تبدأ تسلية حسام، فهو يتعمد إصدار صوت خطوات، ولكنه لا يقترب، يترك يوسف وسط القلق والشك والترقب ملتفتا يمنة ويسرة، غير قادر على الهرب بسبب قيوده، محاولا تحديد موقع أبيه، وبعدها يصدر صوتا آخر، ثم يتركه من جديد. في آخر الأمر، وفي اللحظة التي لا يتوقعها يوسف، يفاجئه بضربة وحشية بعد أن يتسلل نحوه ببطء وهدوء..
يعرف يوسف كم كانت تلك اللعبة تمتع أباه.. كم كانت تسعده وتسليه.. كم كانت فكرة أنه يترقب وينتظر كالفأر في المصيدة، تجعل أباه ينتشي..
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...