١١٣

1.1K 59 8
                                    


حركت منال سيارتها باندفاعة سريعة للغاية.. شهق يوسف الجالس في مقعد الراكب وقال بانزعاج: على رسلكِ!
قضمت منال شفتها وزادت سرعة السيارة أكثر وهي تهز ساقها بعصبية..: لماذا لستَ متوترا؟ ألم تر حال فارس؟ لا أعرف لماذا كان بهذا الغضب! ليس الأمر بسبب سهيل، بل حتى قبل ذلك! أتفهم غضبه عليّ، ولكن.. لماذا عليك؟ لماذا بدا بهذا الحزن؟

سكت يوسف إذ لم يكن عنده جواب فعلي.. هو الآخر أصيب بالصداع وهو يحاول تحليل سلوك فارس هذا الصباح.. قال بصوت هادئ: لا بأس.. سنجلس معه اليوم بعد المدرسة.. سأصطحبه في نزهة، وسنعيد سهيل إلى العمل. إن فارس سهل الإرضاء، لا تقلقي..

تنهدت بتعب: لكنه بدا مختلفا اليوم.. بدا مختلفا عن غضبه المعتاد.. لا أعرف.. لقد أخافني يا يوسف..
مرر يوسف كفه بنعومة على فخذها وضغط على ساقها ضغطةً خفيفة كي يوقفها عن هزّها.. قال بلطف: أعدكِ أننا سنحل الأمر.. حسنا؟ لا تشغلي بالكِ بالأمر الآن، ودعينا نسترخي كي نقضي وقتا مريحا مع ابتسام وعائلتها. اعتمدي علي.. لا تخافي.

توقفت منال عن هز ساقها.. سحبت نفسا عميقا كي تهدأ.. كانت فعلا بحاجة للهدوء كي تبدو ويوسف في أفضل حالاتهما في بيت أحمد.
ابتسمت ابتسامةً متعبة: نعم.. حسنا..
دلك يوسف فخذها تدليكةً أخيرة قبل أن يسحب يده عنها.. كان الوضع بينهما هادئا جدا ومسالما.. وكانا متفاهمين بشكل لم يحصل منذ زمن.
تعرف منال أن هذه الرحلة ليست سهلةً على يوسف لأسباب كثيرة.. ولكنه لم يكن يعبر عن استيائه، كان مرنا وسهل المعشر.. وهذه، بالطبع  ليست عادة يوسف المتعنّت على الإطلاق.

سكتا لحظات، انشغلت منال بالقيادة وأخذ يوسف يقلّب في قنوات الراديو، هذا أيضا لم يكن من عادته.
قُطع الصمت حين قالت منال بهدوء وهي تراقب بعينيها الطريق: يوسف، بالنسبة لكلامنا صباح اليوم..
قاطعها يوسف بجدية قبل أن تتابع: لا يهم.. لا أريد أن نتكلم في الأمر.
قطبت حاجبيها: ولكن.. أردتُ فقط أن أقول-
قاطعها يوسف ببعض الاضطراب: توقفي.. لا أريد.. أرجوك.. حسنا؟ نحن هادئان ومتفاهمان ومنسجمان، لأول مرة منذ.. لا أعرف.. منذ مدة طويلة. دعينا لا نفسد هذا.. لا يهم الأمس، ولا يهم ما قلنا فيه، لننس أنه حصل. المهم هو اليوم، مادمنا اليوم بخير، لا حاجة لمناقشة الماضي. من فضلكِ يا منال.. من فضلك! حسنا؟

سكتت منال ثواني مستغربة تلعثمه وتوتره قبل أن تجيب: حسنا.. كما تشاء.
تنهد يوسف وعاد ليقلب الراديو بسرعة أكبر.. لقد غيّر رأيه بخصوص سؤاله هذا الصباح.. لم يكن يريد أن يسمع الإجابة، لقد اكتشف أنه أكثر جبنًا من خوض هذا النقاش.. ماداما يعاملان بعضهما بتحضّر، لم يكن يريد إفساد ذلك.

أوقفت منال السيارة أمام بيت أحمد.. سحبت نفسا عميقا وشدت يديها على المقود.. كانت متوترة.. لا تعرف ما هو التحول الذي سيطرأ على يوسف حين يدخل بيت أحمد.. إنه يجنّ لمجرد سماع اسمه.
ولكنها كانت محتاجةً لهذه الخطوة.. إن كل شيء بخصوصها هي ويوسف يثير الشكوك، خصوصا مع إصاباتها المتكررة.. كانت قد ملت من ذلك الشعور وتعبت منه. لقد توثقت علاقتها مع عائلة أبيها، وصار وجودهم متكررا في حياتها، ولهذا، كان عليها أن تحل هذه المسألة. كان عليها أن تريهم أن لها حياةً طبيعية وتريح نفسها من تلك النظرات المزعجة التي تراها في عيونهم.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن