١٣٣

669 41 28
                                    

دار يوسف بخطوات واسعة حول غرفة المستشفى الصغيرة.. رمق منال ببعض الضيق.
كانت منال جالسة على السرير، عليها ملابس العمليات الفضفاضة. كانت متربّعة، وكانت تعض طرف إبهامها بانزعاج وهي تهز ساقها بتوتر واضح.
: إذن؟
بلعت منال ريقها بتوتر.. كانت خائفة ومضطربة للغاية.. قالت بصوت مهزوز: لا أعرف.. لا أعرف إن كنتُ أريد أن أفعل هذا فعلا؟

سحب يوسف نفسا عميقا.. إن منال متوترة وعصبية منذ عدة أيام بسبب هذه العملية، وبسبب عدم رغبتها في إجرائها.. كانت منطوية بعض الشيء، ولكنها لم تكن تعامله بعدائية، بل على العكس، كانت تلجأ له نفسيا وعاطفيا وجنسيا كي يخفف توترها. أما الآن، فبدت غاضبة وحانقة عليه. ورغم وديتها في الأيام السابقة، كان هو خائفا فعلا.. كان يعرف أن هذه العملية مخاطرة، لأنها كانت تُرجعها لنفسها القديمة، وتوقظها للحقائق التي كانت غائبة عنها.. كانت تضحيةً كبيرة منها لأجله، وهما لم يكونا جاهزين بعد.. هما ليسا جاهزين لتضحي هي من أجله، علاقتهما لا تتحمل ذلك.

قال بصوت ناعم وهو يقترب من سريرها: حبيبتي.. بالطبع تريدين أن تفعليه.. إنه الخيار الصحيح من أجلكِ!
عقدت منال حاجبيها.. الخيار الصحيح كان أن تتألم وتُخدّر وتعاني كي تمحو كل مافعله يوسف عن جسدها؟ أليست بهذه العملية تسامحه رسميا على كل ما فعل، وتمنحه الضوء الأخضر ليفترض أنهما تجاوزا الماضي؟ أليست بهذه العملية تمحو أثر جرائمه وكأنها لم تكن أصلا؟
قالت بصوت مضطرب وهجومي: الخيار الصحيح من أجلي أم من أجلك؟ أنت تريدني أن أفعل هذا كي ترتاح أنت، كي لا ترى وضاعتك عليّ في كل مرة تنظر فيها إلي!
أغمض يوسف عينيه وقال منزعجا: ما هذا الاتهام يا منال؟ بالطبع أنا لا أريد أن أرى أيا من ذلك عليكِ، ولا أريد أن أتذكر ما فعلتُ. ولكنني لا أشجعكِ على العملية لهذا السبب! أنا أيضا أجريتُ عملية كهذه.. هل فعلتُها لأنني تجاوزتُ ما فعل حسام؟ لا.. لقد أجريتُها كي أرتاح أنا! هل تسمعينني؟ كي أرتاح أنا!

أحست منال بانفعالها يزداد ويتحول إلى غضب حقيقي.. قالت بعدوانية: هل تظنني غبية يا يوسف؟ ألا تظن أن تشجيعك لي على هذه العملية لأي سبب كان، يعدّ تصرفا أنانيا وبشعا؟ كيف تدفعني لفعل شيء كهذا؟ لتعريض نفسي لشيء جسيم مثل عملية جراحية فقط كي تمحو مافعلت؟ هل تعرف؟ يفترض أنك أنت من يشجعني على التراجع لا على المتابعة، لو كنت فعلا تحبني، ولو كانت عندك ذرة من المراعاة، أو لو كنت تخليتَ عن ذرة من أنانيتك.

قبض يوسف يده مرة تلو مرة محاولا السيطرة على غضبه وصر على أسنانه.. كانت هذه حفنة هائلة من الاتهامات، وكان يعرف أن في هذا كله شيء من الصحة.. فهو بلا شك يملك دافعا شخصيا وأنانيا في موضوع العملية.
أخذ يمشي من جديد بعصبية في الغرفة وهو يحاول التفكير بالرد المناسب.

ثنت منال ساقيها وضمتهما إليها بانزعاج وهي تراقب كفّيه.. مجددا تصدر عنه هذه العادة التي تعرف جيدا أنها مؤشرٌ لعنفه.. يتمنى لو يستعمل قوته، ولكنه لا يستطيع.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن