كان يجلس خلف مكتبه شاردا.. انه يفكر بحالة منال ليلة امس.. لقد امتعضت منه ورمقته بتلك النظرة المتقززة حين طلب منها ان تتغيب عن عملها اليوم وترتاح.. ولهذا سكت، او خرس على حد تعبيرها..
لم يكن يعجبه ذلك.. لقد اعتاد اجبارها على مايريد.. وشخصيته المراعية هذه تستنزف كثيرا من طاقته وجهده.. وفي الوقت نفسه، يوقن انه مع كل موقف يتصرف فيه بهذه الطريقة الطبيعية، يسير خطوة في تحسين الوضع بينهما وتهدئته..
انتفض صاحيا من شروده حين رن هاتفه.. قطب حاجبيه بصدمة.. كانت منال تتصل به. لماذا قد تفعل هذا؟ احس بالقلق، لاشك ان شيئا سيئا قد حصل، او ان مشكلة قد حصلت مع فارس..
اجاب بسرعة: نعم؟
وصله صوتها هادئا عكس ماتوقع: مرحبا..
لمس الكآبة في صوتها.. قال بقلق: ما المشكلة؟ هل أنتِ بخير؟
: نعم. لا توجد مشكلة.
هدأ وارتاح قليلا.. قال بصوت اهدأ: ماذا تريدين اذن؟
سكتت لحظات.. قطب حاجبيه مستغربا الصمت قبل ان تقول: لماذا لازلت محتفظا بالمفتاح؟
اتسعت عيناه وسكت هو الاخر.. لازالت تفكر باحداث الامس.. لم يعرف كيف يرد.. تابعت هي حين لم يجبها: اكثر من عشرين سنة مرت.. والمفتاح معك. لقد عشت انا وانت وابقيت انت المفتاح معك في نفس المكان. لقد بقي قريبا منا كل هذا الوقت. لماذا قد تفعل شيئا بهذا الجنون؟
فرك عينيه بسبابته وابهامه مجهدا.. لم يكن من السهل ان يكلمها عن شيء كهذا.. قال بصوت ضعيف: لقد حاولت. لم استطع التخلص منه.
سمع ابتسامة ساخرة في صوتها: انا لا اعرف حتى ماذا يعني هذا يا يوسف. انت تقول كلمات مفهومة، ولكن جملتك لا معنى لها.
اغمض عينيه وبدا الانفعال في صوته.. قال من بين اسنانه: لقد رميته في النهر. منذ سنين كثيرة.. وقفت فوق الجسر.. ورميته. هل تعرفين ماذا فعلت؟ لقد قفزت خلفه. لم ارد ذلك، ولكن جسمي تحرك وحده. شيء في داخلي منعني من تركه. لقد كانت ليلة باردة وكان الماء كالثلج، ولقد قفزت من ارتفاع الجسر كله الى الماء كي استعيده. ستقولين انني مجنون، ومعك حق، ولكنني لم استطع التخلص منه.
لحظات صمت مرت قبل ان تقول: اريدك ان تتخلص منه.. اليوم. هلا فعلت هذا؟
: كلا.
احتد صوتها قليلا: لقد قلت انك ستفعل اي شيء يريحني.. لم تمض اربع وعشرون ساعة على ذلك.
اجاب متضايقا: ولقد كنت صادقا، ولكنك تطلبين شيئا فوق طاقتي.
: انا لا اظن انه فوق طاقتك. انت متمسك بالماضي اللعين وترفض التخلص منه.. ان هذا لن يجلب شيئا الا الضرر!
: قلت لن افعل!
زفرت بتعب: لا استطيع البقاء مع ذلك الشيء في نفس البيت.
: سيكون عليكِ ان تتحملي.
عضت على شفتها.. هاقد ظهرت النبرة الخشنة.. قالت بنعومة محاولة دغدغة مشاعره لها: من اجلي يا يوسف.
سكت بصدمة.. لم يسمع منها هذا من قبل.. خفق قلبه بسرعة.. قال بهمس: حسنا.. لن ادخله الى المنزل. اعدكِ. سأجد له مكانا آخر قريبا.
لم يكن هذا ماتريده.. ولكنها اكتفت هذه المرة وقررت المتابعة لاحقا.. ارادت ان تغلق ولكنه سبقها: قد اتخلص منه، ولكن بشرط!
احست بالقلق.. لن يكون هذا جيدا.. كانت مستعدة لسماع شرط جنسي جديد يتيح له لمسها متى اراد.. ولكنه قال: اريدكِ ان تعملي على تحسين شعورك اتجاهي.. اريدكِ ان تكوني اقل صرامة، واقل برودا، واقل اشمئزازا وكراهية. واكثر ودية.
ابتسمت: يوسف، انت تقول ان تخلصك من غرض فيزيائي ملموس موجود معك ليس شيئا في قدرتك وطاقتك، ولكنك تقول أن تغيير مشاعري غير المحسوسة شيءٌ اقدر عليه؟
فرك شعره بعصبية: لا اعرف! حسنا؟ انا لا اعرف! ولكنني تعبت وسئمت من اسلوبك هذا. وسأفعل اي شيء للتخلص منه! هل تفهمين؟
زفرت بقرف..: جرب ان لا تقول لي هذه الـ "هل تفهمين" في نهاية كل عبارة وكأنك ملك العالم، وسوف نفكر!!
اغلقت الهاتف في وجهه قبل ان يجيب.. رماه على المكتب بغيظ ونهض تاركا الغرفة.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...