جلست على الكرسي المتحرك بضيق بعد أن بدلت ثياب المستشفى.. حرص الطبيب على تذكيرها بالمجيء لمواعيد التمارين كي تستعيد قدرتها على المشي.. كان كل شيء مزعجا.. لم تكن تستطيع تحمل الكرسي اللعين أكثر من ذلك.. لاحظت سخرية القدر.. يوسف هو الآخر فقد القدرة على المشي بعد الحادث الذي اصابه منذ سنين.. والآن.. وكأن الدائرة دارت عليها..
كان يوسف وفارس بانتظارها.. شعرت بقرف شديد من عجزها حين اقترب يوسف ليدفع كرسيها.. سحبت العكازات وقالت بانزعاج: لا تدفعه.. سأمشي..
سكت.. استندت على العكاز ونهضت بصعوبة شديدة باذلة جهدا جنونيا.. ما إن استقامت حتى أوشكت على السقوط، شعرت بيد قوية تسندها.. أغمضت عينيها بتعب.. شدت جسمها وتوازنت.. ابتعد عنها.. مشت ببطء إلى الخارج، كان فارس حريصا بلطف عليها، حمل حقيبتها واستمر يعرض عليها خدماته.. فيما مشى يوسف بجانبها، تعرف أنه كان حريصا على البقاء قريبا كي يسندها إذا سقطت..
فتح لها باب السيارة.. مد يده ليساعدها، تجاهلته تماما وركبت بصعوبة.. انطلقت السيارة بها عالمةً أن الأيام القادمة ستكون جحيما..
كان يوسف قد أمر بنقل أغراضهم إلى المنزل القديم وتجهيزه.. شعرت حين دخلته أنها تعود إلى ماض مقزز وكريه.. ذهب فارس إلى غرفته.. فيما تحركت هي بتثاقل إلى غرفتهما مستعدة للكآبة القاتلة التي ستهاجمها..
: انتظري..
التفتت بضيق.. قال بهدوء: جهزت لكِ غرفة خاصة..
قطبت حاجبيها بعدم فهم.. هل سيعتقها؟ هل هذا ممكن؟
تحرك أمامها عابرا إلى الغرفة التي كانت مخزنا للأجهزة وبعض الأغراض.. حين فتح الباب كانت مختلفة تماما.. غرفة كاملة مجهزة لها.. وأغراضها كلها فيها..
تنهدت.. كان هذا غير متوقع منه.. غيرت اتجاهها ذاهبة إلى الغرفة الثانية دون أن تنظر إليه.. دخلت وأغلقت الباب خلفها في وجهه..
كما توقعت، فُتح الباب.. إنه لا يتغير مهما اعتقد أنه يفعل.. وبحركة خاطفة كان يغلق الباب ويدفعها بخشونة مثبتا إياها على الجدار عن طريق قبضه على عضديها.. أغمضت عينيها وسط أنفاسها السريعة.. غمغم من بين أسنانه: ستعاملينني باحترام يا منال.. تفهمين؟ لا تستفزيني.. لا أريد إيذاءكِ، وسيكون عليكِ مساعدتي.. ستتعاملين معي بحذر.. إن أي شيء حصل لا يغير حقيقة أنكِ ملكي.. تصرفي بأدب مع الشخص الذي يملكك.. هل هذا واضح؟
كانت لازالت مغمضة عينيها بشدة وسط رجفة شديدة.. لم تتعرض لهذا منذ زمن.. منذ أكثر من سنة.. لم تعد معتادة على التعامل العنيف.. اكتشفت أن خوفها منه تضاعف ألف مرة.. إنها مرتعبة لأنها لم تعد تتحمل الأذى.. لكنها في الوقت نفسه كانت تعرف أن هذه ضريبة العودة.. وهذه ضريبة تضحيتها لأجل ابنها..
كانت أسنانها تصطك بشدة.. تمتمت برعب: لا تؤذني..
قطب حاجبيه.. لم تكن بحالة طبيعية.. لم يكن هذا خوفها الذي يعرفه.. ضغط على عضديها أكثر وغمغم: هل هذا واضح؟؟؟؟
كانت أنفاسها شديدة السرعة بحيث لم تعد تستطيع الكلام.. رأى رجفة شديدة الوضوح في أطرافها.. والعرق المتجمع على جبينها.. همست بصوت متقطع: لا... تضربني...
كان هذا غريبا.. إنه يرى هذا الرعب لأول مرة.. بلع ريقه بتوتر.. خفف قبضته عنها وبحركة سريعة حملها، انتفضت وبحركة مرتعبة غطت وجهها بذراعيها.. وضعها بخفة على الكنبة.. انكمشت على نفسها وهي لازالت في نوبة الرعب، لم تكن تبدو في وعيها.. جلس أمامها على الأرض وأبعد ذراعيها عن وجهها.. نظرت إليه بعينٍ زائغة: لا... لاتؤذني... لا تـ....
وضع كفيه على خديها وقال بحدة: منال.. اهدئي.. لن أؤذيكِ.. أعدكِ.. اهدئي!!!
هزت رأسها بالنفي: ستضربني... لا تفعل.. لاتؤذني...
سحب نفسا عميقا شاعرا بصبره ينفد.. أحكم قبضته على وجهها وصرخ بصوت عالٍ: منال!!
انتفضت واتسعت عيناها.. حدقت به متوقفة عن الارتجاف.. انتظمت أنفاسها شيئا فشيئا عائدة إلى وعيها.. أغمضت عينيها وسحبت نفسا عميقا.. تنهد وأفلتها.. نهض وجلس بجانبها..
سكتا لفترة ارتمت خلالها على ظهر الكنبة محدقة في السقف بتعب..
: يجب أن أموت.. لا يوجد حل آخر..
التفت إليها بتوتر..: ماهذا الكلام!
: لا أستطيع فعل ذلك بفارس.. لن أستطيع أن أموت عمدا.. اقتلني.. دعني أذهب دون أن أكون أنا المذنبة..
تصور للحظة حياته دونها للأبد.. شعر برعب مجنون.. قال بانزعاج شديد: اخرسي.. ماهذا الكلام.. توقفي!!
تنهدت.. تابعت بصوت ضعيف: هلا خرجت؟
سحب نفسه من جانبها وخرج دون أن ينطق بكلمة..
__
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...