٩٠

1.3K 62 8
                                    

مرت الأيام سريعةً ومتشابهة.. منال لاتفارق سريرها، يوسف يقوم على كل شؤون فارس دون استثناء، ويحاول توفير بيئة مريحة لمنال التي كانت تطيع تقريبا كل شيء يقوله لها. كانت تأكل عندما يطلب منها، رغم انعدام شهيتها الواضح، وتفعل أي شيء يوجهها إليه. شيء واحد فقط عجز عن إقناعها به، وهو ترك السرير. لقد فشل.. إنه يحاول استعمال تأثيره الجديد عليها كي يقنعها بفعل الأشياء التي تتماشى مع مصلحتها، مصلحتها التي صارت آخر اهتماماتها، ولكنه عجز عن إجبارها على العودة إلى الحياة..
في حالة مرعبة، لعلها مرضيّة، كانت تنام معظم ساعات اليوم.. بعد أن أخذ المنوم منها اكتشف كلاهما أنها لم تكن تحتاج إليه أصلا..

شيء آخر كان جديدا في روتينهما، لقد صار الجنس يوميا، إذا لم يكن أكثر من مرة خلال اليوم.
كانت هذه رغبة منال.. لقد حاول يوسف أن يرفض، في الحقيقة، لقد جاهد كي يرفض. ولكنها عرفت دائما كيف تتلاعب به، كيف تثيره وتخرجه عن سيطرته.. لم يكن قد بادَر معها مبادرة جنسية واحدة، بل كانت هي دائما من يفعل.. وكان في كل مرة يقاوم ويفشل، ويستسلم لها ليغرقا في ممارسة حميمية وعاطفية للغاية.
كما لاحظ يوسف، كانت فترات الجنس هذه هي الفترات الوحيدة التي تُبدي فيها منال أي شعور أو تفاعل.. لعل هذا كان أحد الأسباب التي لم يكن يرفض الجنس لأجلها.. لأنه يحس أن ذلك يعيد منال لطبيعتها بعض الشيء.. على عكس بقية الوقت، حيث تكون جامدة للغاية.. وكأنها في عالم آخر.

فوجئ يوسف في ذلك الصباح بعد أن أوصل فارس وعاد إلى البيت، حين رآها خارجة من الغرفة إلى الصالة، وبدت له بملابس الخروج..
لم يستطع أن يميز هل ستخرج فعلا أم لا.. فملابسها كانت ملابس رياضية، أبسط بكثير من الملابس التي تخرج بها عادةً.
ابتسم محاولا تلطيف الجو: صباح الورد!
لا جواب.. هزّت رأسها ردا للتحية ودخلت المطبخ.. خرجت حاملة في يدها كوب ماء، وجلست على الأريكة بصمت.
تنهد يوسف.. لازالت عيناها في حالة سيئة.. أفضل مما كانت عليه، ولكن، لازالتا منتفختين.. تساءل، هل هي تبكي في أوقاتٍ لا يراها فيها أم أن هذا تأثير الإجهاد النفسي والنوم الكثير فحسب؟
أيقظته من أفكاره حين قالت بصوتها الهادئ الذي بدأ يعتاد عليه وعلى خفوته الشديد: سأذهب لألتقي بالمحامية.. محامية أب-.. أعني.. أحمد.
: هذا جيد. هل تحتاجين لأن يرافقكِ محامينا؟
أحس يوسف أن هذه خطوة جيدة لمنال كي تتقبل موت أبيها، رغم أنها لم تجرؤ على إكمال لفظة "أبي" واستبدلتها باسم أبيها، ولكنها خطوة إلى الأمام.
لقد قضت ابتسام كل ذلك الوقت تحاول إقناع منال بالمجيء لهذا الاجتماع، ولكن منال تجاهلتها تماما. ومن ثم حاولت ابتسام التواصل مع يوسف كي يقنع منال، ولكن يوسف لم يجرؤ على الكلام في الأمر معها. أحس يوسف بالراحة لأنها قررت المضي في ذلك أخيرا..

هزت منال رأسها بالنفي.. لم تكن تهتم بوجود محامي معها، فأيا يكن محتوى تلك الوصية، لم يكن يهمها، ولكنها كانت ذاهبة لأنها أحست أنها تضع ابتسام في موقف صعب بتأجيلها المستمر.
: هل تريدين أن آتي معكِ؟
هزت رأسها بالنفي من جديد.. امتعض يوسف من هذه التعبيرات غير اللفظية والتي صارت تشكل تسعين بالمئة من ردود أفعالها.
: هل تريدين أن أوصلكِ إذن؟
هزةُ النفي من جديد.. عبس يوسف وسكت.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن