٧٠

1.5K 61 8
                                    


فتحت عينيها ببطء وهي تحس بألم في جسمها لنومها غير المريح.. اعتدلت جالسة ونظرت مباشرة إلى أبيها، لازال نائما، بدا لها نومه غير طبيعي، استنتجت أن هذا بفعل دواء ما. فهو كذلك لم يحس بشيء من الضجيج الذي أحدثته حين وصلت.
ألقت نظرة على الساعة في هاتفها، لم تنم كثيرا، ولكن الليل قد انقضى ويقترب الفجر من البزوغ.
لفتتها رسالة أخرى من يوسف..: "خذي الحقيبة بجوار الباب."
قطبت حاجبيها لهذه الرسالة المبهمة.. رفعت نظرها إلى باب الغرفة لتجد قرب الباب حقيبة سوداء متوسطة الحجم. نهضت، أخذتها وفتحتها متفحصة المحتويات.. ملابس، فرشاة ومايرافقها من معدات العناية بالأسنان، معقم، منشفة وجهها الصغيرة، مرطبها وكتاب صغير.
تنهدت غير عارفة كيف ستشعر.. يعرف يوسف أنها مثله، مهووسة هوسا مرضيا بالنظافة وبطقوس معينة. ولهذا وضع أشياء يعرف أنها لن تتحمل قضاء ساعات دون استعمالها.
هذا النوع من المعرفة العميقة كان شيئا يميز علاقتها بيوسف. فهو يعرف مسبقا ماذا ستحتاج وكيف ستفكر..

دخلت دورة المياه، بدلت ثيابها واغتسلت.. خرجت لتجد أحمد يعتدل بصعوبة محاولا الجلوس.. لم يلتفت إليها، كان يعتقد أن الموجود أحد من عائلته، ولهذا لم يكن مهتما بإلقاء نظرة.
ابتسمت بارتياح حين رأته مفيقا.. وكأن شيئا باردا أثلج صدرها.
: صباح الخير.
التفت بلهفة حين سمع صوتها.. ابتسم بسعادة واضحة رغم بحة صوته وإجهاده: منال! هذا أنتِ!
اقتربت منه مسرعة، جلست بجواره ومررت كفها على كتفه بحنان، وبعاطفة لم تسيطر عليها: أبي.. هل أنت بخير؟ كيف تشعر؟ -اهتز صوتها بعض الشيء- أخفتَني!!
تنهد.. تألم للقلق الواضح على وجهها..: آسف.. سأكون على مايرام. أعدكِ.
شدت كفها على ذراعه، ابتسمت بحزن وسكتت.. لا يمكنه أن يعدها بما ليس بيده. هذا مافكرت به وهي تتأمل ملامحه المتعبة، بدا عجوزا لأول مرة.
: كيف تشعر؟ هل تتألم؟
: كلا.. أحس أنني مجهد فقط. -اعتدل في جلسته أكثر وقال- منال، حبيبتي، لا تنظري إلي هكذا.. أنا فعلا سأكون بخير. سأغير نظام تغذيتي، سأعتني بنفسي، لاتخافي.. سأكون دائما بجواركِ.
عضت على شفتها وتساقطت من عينيها دموع سريعة لم تستطع منعها.. إنها نتيجة رعبها بالأمس حين بلغها الخبر. تلك المشاعر تنفجر الآن.
استقام في جلسته بعد أن كان مستندا على الوسائد خلفه.. شدها إلى حضنه، أغمضت عينيها بأمان كبير.. مسح على شعرها وأحست أنها عادت طفلةً في الخامسة.

قضت منال مع أبيها النهار كله.. اعتنت به وراقبت عناية الأطباء والممرضين به كي تطمئن.
اتصلت بفارس عدة مرات كي لايقلق، ووعدته أنها ستعيده بنفسها من النادي في المساء.
جاءت الممرضة بصينية الطعام لأحمد فيما كان ومنال منخرطين في الحديث.. أخذتها منال منها شاكرةً، سحبت الطاولة المتحركة ووضعتها أمام أحمد، جلست بجانبه من جديد تاركة الطاولة بينها وبينه.. قالت بصرامة: ستثبت لي وعدك الآن، ستأكل جيدا.
ابتسم: حاضر، كما تأمرين.
انشغلت بفتح حافظات الطعام له، وضعت الملعقة في الحافظة ثم نظرت إليه ورفعت حاجبيها منتظرةً أن يبدأ.. تنهد واتسعت ابتسامته وهو يتناول الملعقة: أنتِ صارمة..
قُطع حديثهما على صوت الباب، طرقتان سريعتان قبل أن يفتح. ميّزت منال الداخل مباشرةً، كان خالد، أخاها غير الشقيق. أحست بالراحة، أخيرا ظهر أحد من تلك العائلة، فهي كانت قلقة ومنزعجة، فأحمد وحده في المستشفى منذ الأمس، لم يكلمه أحد منهم ولم يزره ولم يسأل عنه.
دخل خالد، ليس بجسمه كاملًا وإنما بنصف جسمه، ألقى نظرة باردة عليهما وعلى ابتسامة أبيه الواسعة التي ذابت فور رآه.. رمى حقيبةً كانت في يده على الأرض قائلا ببرود: الأغراض التي طلبتَها.
خرج بعد ذلك مباشرة دون أن يقول شيئا آخر.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن