حدقت بالشاش المبقع بقطرات الدم على فخذها فيما كانت جالسة على كرسي أمام مرآة الحمام الكبيرة.
خلفها كان يقف يوسف، عاريا إلا من شورته القصير، في يده المقص منشغلا بترتيب شعرها ومساواة أطواله.. لم يكونا قد تكلما كلمةً واحدة منذ أفاقا. كل مافعله بعد استيقاظها هو أنه سحبها إلى الحمام، انتظر حتى اغتسلت ثم ببعض القوة البسيطة أجلسها على الكرسي وبدأ عمله، دون حرف واحد.
لم تكن هي في مزاج تعارضه فيه.. وكانت تفضل عدم كلامه معها إذ كان صوته يشبه أشواكا في أذنيها وقتها.
كان وجهها أصفرا، ووجنتها مكدومة بسبب صفعته، وفوقها قميصه الذي أزراره الأولى مفتوحة، وطوله لا يكفي كي يغطي فخذها المصاب.
لم ترفع عينيها عليه وعبثت بشرود بطرف القميص وقلّبته بين أصابعها.
كان هو الآخر شاردا.. لقد اختفى شعرها تماما ومُسح وصار طوله طول أنملة. يكاد يكون بطول شعره. كانت هذه بالنسبة له مصيبة رغم تفاهتها.. فشعرها من الأشياء النادرة التي تبعث في قلبه الأمان في هذا العالم. ولكنه لم يكن يفكر في ذلك وحده وقتها، إنما كان يفكر بخطوته التالية كعادته بعد كل جريمة.. لقد تملكه اليأس كما تملكها.. كيف عليه أن يتصرف؟ لقد سئم من إيذائها ولكنه يعجز عن التوقف.. إنه شيء يشبه الإدمان ولعله أسوأ منه.. فألمها يسكره.. وخوفها منه يجعله ينتشي، واغتصابها -رغم كراهيته للتعبير- لذيذ لذة مجنونة حين يكون في ذلك المزاج.
في الوقت نفسه، حين يكون في مزاج طبيعي، حين لا يسيطر عليه اعتلاله، يجد نفسه يجن إذا شاكتها شوكة، أو أحزنها شيء بسيط، ويجد في نفسه رغبة كبيرة أن يكون شريك حياتها المثالي. ويجد نفسه يتعطش لمحبتها وعاطفتها..
أحس بيده ترتجف وهو يفكر بكل هذا.. ثم عاد لذهنه كلامها ذلك اليوم.. عن "عدم استحقاقه للحب" وتساءل إن كانت محقة.. لم يعد غاضبا من ذلك الموقف، ولكن ماقالته لازال يؤلمه ألما عميقا لأنه لمس أضعف نقاطه وأكثرها حساسية.. لقد أدرك أنها تفهمه وتقرأ أفكاره على مستوى لم يتخيله. فهو لم ينطق بحرف عن تعطشه لمحبة أحمد حين كان طفلا، ولم يلمح لهذا حتى في كلامه، ولكنها فهمت كل شيء بنفسها وحللت نفسيته تحليلا دقيقا.
لم يكن يدرك أنها استطاعت ذلك لأنها أحست بنفس الشعور معه.. لأنها تاقت في طفولتها لمحبته رغم كل ماكان يفعله معها..
قال بصوت هادئ كئيب وهو منشغل بعمله بتركيز..: هل يهاتفكِ حسام فعلا؟
اهتز جسمها بعض الشيء حين سمعت صوته.. عرفت أنه يفكر بكلامها ذاك، لم ترد أن تتكلم معه. فلم تجب.
إن حسام يهاتفها فعلا، ولكن ذلك لم يكن ليطمئن عليها كما قالت له. لقد كذبت كي تؤذيه. إنه يتصل كل فترة محاولا استكشاف أخبار أبيها إذ أنه لازال مهووسا بكراهيته له.
كان ذلك مضحكا بالنسبة لها.. فالأب وابنه مهووسان بأبيها كالمجانين ولا يعيان ذلك.
ومع ذلك كانت تلاحظ أن حسام يكلمها بنبرة تميل إلى الحرص، ويسألها عن أحوالها واحتياجاتها كلما اتصل.. لم تفهم لماذا، ولكنها استنتجت أنه يحس أنها ضحية الأشخاص الذين يكرههم، وهكذا بات بينهما شيء مشترك.
تساءلت لماذا لم يحس بنفس الشعور تجاه يوسف، إذ أن يوسف تعرض لأذى أحمد الذي يكرهه حسام أكثر من أي شيء. ولكنها لم تتعب نفسها بتحليل الأمر أكثر، فهذه عائلة مختلة ولا معنى من منطقة تصرفاتها.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...