١١٧

1K 48 14
                                    

مساء الخير.
أتمنى أن تكونوا جميعاً بأحسن حال..
كل التقدير لكل من ينتظر، أو يسأل.

وقفت منال مقطبة الحاجبين أمام يوسف منتظرةً أن يتكلم.. كانت مشاعرها نحوه تتضارب في داخلها تضاربا قاتلا.. فهي تعرف، الآن أكثر من أي وقت آخر، أن يوسف الوحش، ليس إلا طفلا خائفا ومعذّبًا.. ولكن.. هل يجب أن تسمح لذلك أن يعبث بمشاعرها؟

ظل يوسف يتأملها لحظات.. كان منزعجا.. شعورٌ غريب كان يلح عليه.. لأنه بعد أن تذوق منها كلمة "أحبك"، كان يحس أنه سيخسر ذلك الشعور إلى الأبد. كان يحس أن تلك الأجزاء من الثانية، التي أحس فيها أن زوجته وأهم إنسان في حياته تحبه، قد انتهت إلى الأبد، وذلك كان يقتله.
إن رفض منال له هو أكثر ما يجعله متوحشا.. حتى لو لم تعبر عنه، حتى لو لم تنطق بحرف، مجرد توقّعه أنها سترفضه، ولو داخل نفسها يجعله مجنونا.

سحب نفسا عميقا، دلّك أعلى أنفه قبل أن يقول: لماذا تتصلين بهاتف أبيكِ؟
انكمشت ملامحها باستنكار شديد وسألت رغم علمها بالجواب: كيف عرفتَ!!
أجابها ببرود: هذا ليس مهما.. لماذا تتصلين بهاتف رجل ميت؟ مع من تتكلمين؟ من يملك هذا الهاتف الآن؟
عضت على شفتها وظلت ترمقه.. أنفاسها كانت شديدة السرعة.. وفوجئ حين رأى على وجهها تعابير الألم والخيبة.. لم تكن غاضبة، بل كانت فعلا خائبة الأمل، وكانت عيناها تلومانه وتعاتبانه.

بلع ريقه حين أصابته نظراتها بالاضطراب.. كان ينتظر منها أن تغضب عليه وتصرخ في وجهه، ولكنها لم تفعل. وهذا جعله في موقف حرج وصعب.
سحبت نفسا عميقا.. أغمضت عينيها قبل أن تفتحهما من جديد.. قالت بصوت ضعيف: لماذا؟ لقد طلبتُ منك شيئا بسيطا.. أن تحترم رغبتي.. لماذا  يجب أن تنتهك خصوصيتي دائما؟ لماذا تتجسس علي بهذه الطريقة؟ لماذا لا تحترم ما أطلبه منك؟

اضطرب يوسف أكثر.. ذلك العتاب كان ثقيلا جدا عليه.. يستطيع مواجهة الشجار بسهولة، ولكن، هذا الصوت الضعيف وهذه النبرة الحزينة.. كان ذلك صعبا عليه.
تحمحم وحاول أن يتماسك، وأن يستعيد قوته التي اختفت تماما.. تلمّس أنفه من جديد قبل أن يقول بهجومية: لأنكِ كذبتِ علي. قلتِ أنكِ لا تكلمين أحدا، لقد كذبتِ.
مررت منال كفيها في شعرها بإجهاد كبير.. تمتمت: لم أكذب.
عقد حاجبيه وعاد غضبه ليحرق جوفه، قال بحدة: لماذا تستمرين بالكذب؟ لقد رأيتُ المكالمة، إنها موجودة في سجل مكالماتكِ، كيف تقولين أنكِ كنتِ صادقة؟!!

تنهدت منال بتعب.. مشت ببطء لتجلس على الكنبة المقابلة له.. مررت كفها على رقبتها شاعرة بالاختناق.. يخنقها يوسف، يخنقها حتى في أبسط وأصغر تفصيلات حياتها، يحرمها من أي حق بالخصوصية.. يتسلل حتى إلى أصغر أسرارها وأدقّها.
حدقت في السقف بتفكير قبل أن تهمس باستسلام، وبصوت مهزوز: منذ توفي أبي، أتصل بهاتفه أحيانا حين أشتاق له، كي أسمع رسالته المسجّلة. فقط..
لأنني أريد سماع صوته. لم أخبرك بهذا لأنه محرج وغبي ومؤلم وضعيف.. لم أكن أريد أن تعرفه.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن