١٠٤

1.1K 58 17
                                    

ظل يوسف يحملق.. فمه ظل مفتوحا لفرط الهلع لدرجة أن لعابه تقاطر.. وعضلات فكه شُدت وآلمته..
إن منظر حسام فظيع.. منظر جبار لم يتخيل يوسف أن يتعرض لشيء مثله في حياته.. فوجه حسام كان أزرق ازرقاقا بشعا ومرعبا.. عيناه مفتوحتان عن آخرهما، جاحظاتان تظهر داخلهما عروقه الحمراء، وفمه مفتوح ليظهر اختفاء معظم لسانه.. كما أن جسمه كله كان مرتخيا كالخرقة البالية بينما ظلت رقبته الشيء الوحيد المشدود فيه.

كان يوسف يهتز جالسا مرتجفا وهو يحدق عاجزا عن الحركة.. بعد دقائق أفاق من ذهوله وتراجع للخلف بذعر شديد راغبا في الهروب من المكان.. لم يقو على الوقوف، بل تراجع دافعا جسمه للخلف دون أن يبعد عينيه عن أبيه..

اصطدم بساقي حارس أبيه الواقف وراءه سادا عنه طريقه للباب.. التفت إليه بعينين واسعتين وقال بصوت متلعثم: أنا.. لنخرج.. ابتعد..
قست عينا الحارس قبل أن يقول: انظر جيدا. لن تخرج قبل أن تنظر.
اتسعت عينا يوسف أكثر.. قال بفزع: لماذا.. لماذا تفعل لي هذا؟ ابتعد أرجوك.. لماذا؟ ماذا فعلتُ لك؟

أجاب الحارس بخشونة وهو يرمق بكره يوسف الجالس عند قدميه: لقد أحببتُه. لقد أحببت هذا الرجل. وأنت قتلتَه!!
هز يوسف رأسه بالنفي، بدأ يسحب شهقات متتالية، حاول أن يتكلم ولكن صوته كان متقطعا بسبب الأنفاس الذي كان جسمه يجبره على التقاطها كل ثوان.. تكلم بصعوبة: إنها.. إنها.. ليست غلطتي.. لم أفعل.. ليس خطئي..
: بل إنه خطؤك.

أحس يوسف أنه سيجن.. من أين ظهر هذا الرجل في وجهه؟ تحول كل رعبه إلى غضب شديد هائل.. كيف يجرؤ هذا الرجل الغريب على التدخل في حياته لهذه الدرجة؟ كيف يجرؤ على الدفاع عن أبيه وعلى اتهامه ولومه!!
أحس بحرّ شديد وشد في كل عضلاته، قفز من مكانه واقفا وصرخ بأعلى صوته بالرجل بوجه مسودّ وهو يهاجمه دافعا إياه للخارج: إنه ليس خطئي أيها الكلب القذر!!!

لم يتأثر الرجل بدفعة يوسف كثيرا، فهو كان بالغ الطول والضخامة والقوة، ولم يكن يوسف يستطيع أن يتفوق عليه ولا في أفضل حالاته.. فكيف بحالته الضعيفة الآن، وبيدٍ مصابة..
تراجع الرجل بفعل هجوم يوسف عدة خطوات لا أكثر، ولكنها كانت كافية ليخرجا من الغرفة..
بدأ بروده يتحول إلى غضب هو الآخر.. جر يوسف من ياقته بكلتي يديه وشده بقوة وصرخ في وجهه: يالك من جرذ حقود!! لقد أقعدتَ الرجل وأخرسته، ومع ذلك لم تشبع!! لقد بكى أمامك وتوسلك المسامحة، ومع كل مافعلته ورغم أنك انتقمت منه بالفعل لم تمنحه حتى تلك الكلمة!! كيف تقول أنه ليس خطأك؟؟

جاهد يوسف كي يتفلت من قبضة الرجل على قميصه ولكنه لم يفلح.. ركله بكل قوته في معدته ليفلته الرجل مضطرا وصاح يوسف بجنون: إنك لا تعرف!!! أنت لا تعرف شيئا!! لاتعرف ماذا فعل لي!
سعل الرجل بضع سعلات متأثرا بالركلة، لمع العته والجنون في عينيه إثر الغضب وهجم على يوسف بوحشية.. طرحه أرضا وجثم فوقه وبدأ يلكم وجهه بعنف بالغ وهو يزمجر: ساقان ولسان، ودمار كامل لعقله ونفسيته وحياته، ألا يكفي هذا ليأخذ بحقك أيا كان مافعله لك؟ لقد قتلت أباك يا يوسف!! هل تفهم؟ لقد قال لك بكل وضوح أنه سيموت، وأنت دفعته لذلك دفعا، إنك لست أكثر من قاتل!!

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن