التهم فارس صحن المثلجات بعد الطعام وهو ينقل نظره بين والديه، كان صبره ينفد كلما مر الوقت. قال متململا: متى سنتكلم عن الفيل في الغرفة؟
نظر كلاهما إليه، ابتسمت منال على التعبير الذي لاتدري كيف جاء به.. قال يوسف وقد أجبرته الجملة هو الآخر على التبسم: عجيب.. من أين تعلمت هذه العبارة؟
هز كتفيه: التلفاز.
تنهدت منال وغابت ابتسامتها.. قالت بهدوء: هل تريد أنت أن نتكلم في الموضوع؟
أجاب متضايقا: أنا لا أريد، ولكن مادمنا سنتكلم على أي حال، أريد أن نفعل ونرتاح.
نقلت منال نظرها إلى يوسف، بادلها نظرة، وفهمت منها ومن اضطرابه الذي كان يحاول إخفاءه أنه كان يرجوها أن تتصرف وحدها دون أن تضطره للتدخل. فهو ليست عنده أدنى فكرة عما يجب أن يفعل.
تنهدت.. إنها وحيدة كالعادة.. وكأنها أم عزباء.. قالت بصرامة: حسنا إذن، أنا سأتكلم قبل أن أسألك عن سبب فعلتك. لأن السبب لايهم.
أحس فارس بالقلق، فأمه لاتكلمه هكذا عادةً.. إنها حتى حين تحاسبه على أخطائه تتكلم معه بنبرة ودية، تميل إلى العتاب أكثر من التأنيب.
لقد تقصدت منال أن تغير نبرتها، تعرف أنه سيلاحظ ذلك.. كان عليه أن يعرف أنه تخطى الحدود.
ركزت نظرها في عينيه وتابعت بالصوت ذاته، وبنظرة حادة: سوف لن تستعمل القوة أبدا، أبدا يافارس، مع من لم يستعملها عليك. لن تضرب أحدا لم يضربك، ليس الآن، وليس لاحقا. ولا مرة واحدة في عمرك كله. هل تفهم؟
انفعل فارس منزعجا: ولكنه كان يريد إغضابي! لقد استمر في كلامه رغم أنني طلبت منه أن يسكت مرات كثيرة! ل-
ارتفع صوت منال قليلا وقاطعته: لايهم! لايهم يافارس! إن الإنسان الذي يستعمل يده بدلا من كلماته إنسان دنيء وحقير وأنا لن أسمح لك أن تكون هكذا. أنت لست غبيا، إذا أزعجك بكلامه يمكنك أن تزعجه بكلامك! لقد آذيته أذى كبيرا، ولم يعد هو المخطئ. أنت المخطئ الوحيد في الحكاية، بسبب انفعالك، لقد منحته الحق رغم أنه هو البادئ بالشجار.
تلون وجه يوسف وهو يسمع كلام منال..إنه يعرف أنها مشغولة بفارس ومشكلته وأنها لم تتعمد توجيه الكلام له من وراء الستائر، ولكن ذلك الكلام كان يوجه نفسَه له بنفسِه. إنه الدنيء الحقير الذي يستعمل يده بدلا من كلماته. أحس بضيق شديد ولكنه لم ينطق.امتعض فارس وسكت.. لم ترتح منال لردة الفعل هذه.. كررت بحدة: سوف لن تستعمل يدك يافارس، ليس مع من هم أقوى منك، ولا مع من هم أضعف منك، لن تكررها طيلة عمرك. ستؤذي من يؤذيك فقط، ولن تكون البادئ بالضرب في حياتك كلها. واضح؟ هل تفهم لماذا أقول هذا؟ لقد آذيتَ هذا الولد وأخفت والديه.. هل تتصور كيف سأشعر أنا وبابا لو فعل لك أحد هذا؟
كان فارس يشعر بالخوف لحدة أمه التي لم يعتد عليها، لقد فهم جدية الأمر ولم يكن يريد شيئا سوى أن تعود أمه الرقيقة الطبيعية. قال باستسلام: حسنا ماما. لن أفعل. لاتغضبي مني. أرجوكِ.
أجابت منال دون أن تتخلى عن قالبها: لن أعاقبك، وسوف ننسى الأمر. ولكن إن كررتها يا فارس فسوف أفعل، سوف أغضب كثيرا، وسوف أخاصمك، إياك أن تفعلها من جديد.
هز رأسه بالإيجاب وقال برجاء كي ينتهي الحديث: حسنا.. لن أفعل. أقسم!
تنهدت منال متضايقة.. لقد اتبعت نصيحة الطبيبة، والتي طلبت منها أن تهتم فقط بالجانب التأديبي من المسألة، وتترك لها هي الحديث بشأن الجوانب الأخلاقية والمنطقية في الموعد الذي يذهب إليه فارس أسبوعيا.
تعرف منال أن فارس مختلف عن بقية الأطفال، فأسوأ عقوبة تنزلها عليه لن تكون حرمانا من شيء مثلا، بل أسوأ عقوبة ستكون غضبها منه. إنه لايحتمل أن تخاصمه، ولا يحتمل فكرة أن تغضب منه، مجرد تفكيره بهذا يرعبه ويصيبه بالفزع. كان هذا جزءا من تعلقه المرضي بها، ولهذا ربطت تكراره للفعل بغضبها منه.
قالت بجدية للمرة الأخيرة كي تطمئن وترتاح: تعدني؟
تنهد بتعب: أعدك ماما! لقد وعدتك ألف مرة!
حدقت به لحظات ثم ابتسمت..: حسنا إذن. لقد حُلت المشكلة.
زفر مرتاحا..: لستِ غاضبة مني؟
هزت رأسها بالنفي: كلا. لست غاضبة. ولكننا سنفعل شيئا اليوم، وسوف تفعله معي ولن تتعبني.
: ماذا سنفعل؟
: سنذهب لنزور صديقك هذا.. لقد تكلمتُ مع أمه. سنأخذ له هدية، وسنعتذر منه من جديد، وأنت ستعتذر منه بجدية مرة أخرى. وستصلحان مابينكما.
قطب فارس حاجبيه بانزعاج: لماذا؟ أنا مخطئ ولكنه هو أيضا لايحبني وأراد إزعاجي. إنه ليس صديقي!
قالت بلا مبالاة: سيكون عليك أن تتفاهم معه بهذا الخصوص.
تأفف فارس متذمرا، لم يطق الفكرة، ولكنه كان مضطرا للتماشي كي يثبت لأمه أنه نادم فعلا.
قال هامسا: حسنا..
قرصت منال خده قرصة خفيفة مداعبةً: أحسنت. شكرا لك.
ابتسم فارس، كان هذا فقط مايريده، نظرة الرضى في وجهها. ألقى نظرة على أبيه، والذي كان مستمعا صامتا تماما خلال هذه المحادثة، ابتسم له يوسف فور أن وقعت نظرته عليه. رد فارس الابتسامة وارتاح من جديد.

أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...