١٠٧

1.1K 60 15
                                    

دخل يوسف المنزل.. عبس وتعكر مزاجه حين رأى منال تدخن في الصالة..
صحيح أنه ينزعج من رؤية السجائر معها منذ زمن، ولكن، أصبح الأمر الآن يستفزه أكثر لأنه صار يذكره بتدخينها خلال حملها.. وهذا كان الشيء الذي يؤلمه ولا يسامحها عليه، يؤلمه أكثر من إجهاضها نفسه ومن طلبها المساعدة من نهى.. لقد كان حانقا عليها الآن بالفعل دون أن يحتاج لرؤية تدخينها الذي زاد غضبه.. إنه حانق لأنها ترفض تركه يفتح الخزنة، ولأنها رأت ضعفه بالأمس، ولأنه بالغ في إظهاره.. لأنه أسرف في تعبيره عن حبه لها ولم يحصل على مقابل كالعادة.. كان يحس بتلك النقمة كثقب أسود صغير يكبر تدريجيا في داخله..

التفتت نحوه ببرود حين سمعت قدومه وتركت الكتاب الذي كان في يدها وأطفأت السيجارة.. تقدم منها واضعا كفيه في جيوبه.. وقف أمامها وقال بصوت هادئ: هل تذكرين ماذا قلتُ أنني سأفعل إذا رأيتُ في يدك سيجارة؟ أو حتى شممتها منكِ؟
جابهته بتلك النظرة الباردة ذاتها.. ابتسمت بسخرية وأجابت: قلتَ أنك ستكسر أصابعي، أو يدَيّ.. لا أذكر.. و.. صحيح.. وفكي أيضا.. -رفعت كفها المضمدة وأشارت إليها بينما اتسعت ابتسامتها- قطعتَ نصف الطريق بالفعل، بقي أن تتابع.

ضغط على أسنانه بغضب وتقدم منها راغبا في فعل أي شيء يثبت به سيطرته، انكمشت هي بتوتر شادةً معطفها حولها حين رأت اندفاعه وبدأ الندم يراودها على استفزازه.. أوقف نفسه بصعوبة في وسط اندفاعه حين رأى خوفها الواضح.. سحب نفسا عميقا وهو يكور يده ويفردها وقال: حسنا.. يكفي.. لا أريد أن أؤذيك.. لست أمزح.. أنا أرغب برؤيتك تتألمين، إنني في المزاج الذي يجعلني أحتاج ذلك، ولكنني لا أريد أن أؤذيك.. ولهذا، أعطني الرمز السري، واتركيني أذهب من هنا قبل أن تسوء الأمور.

مصت منال شفتها بتفكير.. يجب أن تعطيه الرمز.. يجب أن تتعقل وتحمي نفسها وتعطيه إياه فحسب.. ولكنها حين كانت تتصوره وهو يشاهد تلك الأشياء كانت توقن أن ذلك سيصيبه بالجنون، وذلك الجنون سيعود عليها هي أيضا بالأذى، خصوصا مباشرة بعد وفاة والده بتلك الطريقة الوحشية..

قالت بعد أن تنفست بعمق كي تبعد آثار الخوف عن صوتها: يوسف.. فكر معي.. هلا فعلت؟ أنا أعرفك، ستتضرر كثيرا إذا تعرضت لذلك القرف.. على الأقل امنح نفسك وقتا تتحسن فيه ق-
قاطعها بخشونة: أتحسن؟ لمَ أتحسن؟ إنني بخير، وفي أحسن حال!!

رفعت حاجبيها ولم تستطع منع ابتسامتها الساخرة عن الظهور من جديد..: بخير؟ هل نظرت في المرآة اليوم ورأيت وجهك هذا يا عزيزي؟
زمّ شفتيه بغيظ.. هذه الابتسامة القاسية اللعينة المليئة بالازدراء واللامبالاة، كم تزعجه.. تجعله يحس أنه أقل قيمة من ذرة غبار بالنسبة لمنال..
كان عنادها هذا يجعله يحس أنها بطريقة ما تتحد مع أبيها ضده.. أنها هي وتلك المحتويات اللعينة داخل الخزنة صارا شيئا واحدا.. وذلك كان يصيبه بالجنون..
غمغم وهو يدلّك بكفه أعلى أنفه بعصبية: الرقم، فورا يا منال، الآن. لا أريد أن أسمع حرفا آخر.. إذا سمعتُ حرفا غير الأرقام ستندمين.. الآن!!
نهضت عن الأريكة كي تجهز نفسها للابتعاد في حال تطور الأمر وقالت محاولة امتصاص غضبه: لنزر الطبيب أولا.. سأذهب معك.. ما رأيك؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن