فتح فارس عينيه الناعستين وهو يرمش مرةً بعد مرة.. تثاءب وهو يلاحظ أن السقف فوقه ليس سقف غرفته..
التفت بكسل ليرى أباه نائما بعمق عن يمينه.. التفت للجهة الأخرى ورأى أمه هي الأخرى نائمة عن شماله باستغراق.. وتذكر أنه عندما خاف وبكى ليلة الأمس لجأ إلى سريرهما الفارغ بحثا عن الأمان..جلس ببطء وحذر كي لا يوقظهما.. تأمل أمه بكآبة شديدة.. كان يحس أنه يفتقدها ويشتاق لها، ولكنه كان مكسورا من الداخل بسببها.. هل أرادت فعلا أن تقتله قبل أن يولد؟ هل كرهت وجوده ورغبت في التخلص منه؟ وهل قتلت أخاه بالفعل؟
كان رأسه يعجّ بأسئلة عجز عن إيجاد جواب لها، وكان خائفا للغاية لأنه دون أمه يحس أنه ضعيف ووحيد، فهي دائما مصدر الأمان والحب اللامحدود، واللامشروط، بالنسبة له.قفز بندق ببطء من مكانه فوق ساقي يوسف نحو فارس حين أحس بحركته، جلس فوق حضنه وهو يمسح جسمه به بتودد.. ابتسم فارس وربّت على رأس بندق بمحبة.. ثم وفيما كان يتحرك بهدوء لينهض وقعت عينه على كفّ أمه.
كانت منال قد وضعت عليها منامةً ذات أكمام طويلة قبل أن تنام كي تخفي معصميها اللذين تورّما بعض الشيء بسبب قبض يوسف عليهما بقوة حين كانا في بيت أبيها.. ولكن، وفي وضعية نومها تلك، كانت الأكمام قد ارتفعت قليلا لتظهر تحتها آثار الأصابع الحمراء والكدمات الزرقاء المتفرقة.ارتجف فارس وتجمد لحظات.. إنه لم يكن واهما هذه المرة، لقد صارت هذه الإصابات أكثر من أن يستطيع تجاهلها.
يكاد يقسم أن هذا الأثر لم يكن موجودا بالأمس، متى إذن حصل وكيف؟ ومن سيسببه غير يوسف؟
لو كان هذا الأثر الأول الذي يراه، لما وضع التهمة على أبيه مطلقا.. ولكن، مع التكرار الكثير، صار يوسف هو المتهم المنطقي الوحيد، فأمه لا تلتقي بأحد بشكل يومي مطلقا.. لم يكن هناك أحد حولها سواه وسوى يوسف.بحذر بالغ مد فارس يده ورفع الأكمام أكثر عن ذراعي منال كلتيهما، لتظهر له البقع بوضوح أكبر..
أحس بشيء غريب ومخيف يعصر صدره.. إذا كانت أمه قد رغبت بالتخلص منه قبل ولادته، وكان أبوه وحشا يؤذي أمه باستمرار، لمن عليه أن يلجأ تحديدا؟نهض فارس عن السرير قافزا هذه المرة دون اهتمام بحذره من إيقاظهما، وقفز معه بندق ليتبعه.
فتح يوسف عينيه مباشرة حين أحس بتلك الحركة، إذ كان نومه خفيفا سهل الانقطاع.. ورأى فارس يركض خارجا من الغرفة.
زفر يوسف وارتخى فوق السرير.. مرر كفه على شفتيه حين تذكر قبلات منال الملأى بالعاطفة ليلة الأمس..
لف وجهه نحوها ببطء.. كانت ما تزال غارقة في نومها..
إن حاجباها مقطبان، كعادتها دائما، لا يذكر أنه رأى حاجبيها منبسطين خلال نومها أبدا. وشعرها ينسدل بعضه على وجهها.. الشمس تنعكس على بشرتها لتمنحها إشراقا ووميضا، بينما كانت شفتاها متورّدتين بعض الشيء إثر حميميته معها بالأمس..
أغمض عينيه حين تذكر ما قالته له ليلة أمس وخفق قلبه.. تساءل بكل طاقته لو كانت قد قالتها لمجرد انجرافها تحت تأثير اللحظة، أو لو كانت تعنيها فعلا..
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...