٧

3.6K 90 2
                                    

فتحت عينيها قبله عصر اليوم التالي.. نائمة على ظهرها وهو على جنبه.. كانت يده غارقة وسط منابت شعرها ومسندة على رأسها، وجهه مدفون في رقبتها.. تشعر بأنفاسه الخفيفة عليها..
لم تتحرك ولم تجرؤ على ذلك.. هو يستيقظ من أبسط حركة، وإيقاظها له جريمة ستجعل مزاجه مجنونا لباقي اليوم.. تأملت السقف بشرود.. فترة قصيرة وشعرت به يتحرك.. سحب يده عنها وانقلب على بطنه.. دفن وجهه في المخدة وقال بخمول: الحقنة..
سحبت نفسها من السرير وجهزت حقنته.. جلست على طرف السرير من جهته وحقنته بمهارة.. وضيق..
راقبت ارتعاشته بعد أن أنهت عملها.. قال بصوت مكتوم بسبب المخدة: اذهبي وتجهزي..
بدلت ثيابها واستحم هو.. خرجا إلى أفضل مستشفى في المدينة، وهو يعتبر من أفضل مستشفيات العالم.. بسبب قوة يوسف لم تواجهه أي صعوبة في تدبير موعد مع أفضل طبيب في الوقت الذي أراد. وصلا.. حصلا على ذات النتيجة الأولى بعد فحوصات طويلة.. التخلص من الطفل يعني موت منال بنسبة عالية..
خرجا إلى مستشفى آخر ممتاز كذلك، لم يتركا مكانا لم يذهبا إليه، وكانت النتيجة واضحة أكيدة..
مع غروب الشمس كانا في السيارة.. أمام المستشفى الأخير.. لم يحرك يوسف السيارة.. كان يحدق في الزجاج بشرود.. قالت مقاطعة الصمت: علينا أن نجرب العملية..
التفت إليها وقال بصرامة: مستحيل.
قالت بضيق: أنا لا أهتم، أنا مستعدة للمخاطرة!
قال بجدية: حتى لو كانت نسبة الخطر ٠.١٪‏. أنا لن أسمح لكِ. انسي هذا الأمر. لاتفكري حتى..
قالت بعصبية: ولكننا لا يمكننا أن ننجب هذا الطفل!!!
أجاب بذات النبرة وهو يضرب المقود بيده بقوة: أعلم هذا!!! أعلم هذا!!! لست أريد أن يولد هذا المخلوق اللعين!!!
قالت بنفاد صبر وصوتها يرتفع ويحتد: إذن لا تتظاهر بالقلق علي! أن أذهب أنا وأرتاح أفضل من أن آتي بمخلوق جديد لهذه القذارة!
نظر إليها بحدة.. كانت تتنفس بسرعة ويبدو الإرهاق على وجهها، وألوان الغروب منعكسة على وجهها..
التفّ بجسده إليها وملامحه تنذر بالشر، قبض على معصمها بقوة وضغط عليه.. غمغم: اخفضي صوتكِ كي لا أقطع لسانكِ أنا!!!!
أغمضت عينيها بتعب وهي تشعر بالألم يسري في ذراعها.. تابع بذات النبرة: وهذه العملية لن تتم.. مفهوم؟ لن تتم!! انتهى النقاش!
قالت بصوت مخنوق: تؤلمني..
هدأ قليلا.. أفلتها.. دلكت معصمها بيدها وهي ترخي رأسها خلفها وتغمض عينيها بتعب.. زفر وحرك السيارة عائدا للمنزل..
ساد الصمت خلال الطريق وأظلمت السماء.. كسرت هي الهدوء بشكل لم يتوقعه.. قالت بشرود وبصوت هادئ: يوسف..
: هممم؟
: سأسألك شيئا..
جاوبها الصمت.. والذي في قاموس يوسف يعني "تابعي"..
: فصّل لي مسائلك مع ابي.
قطب حاجبيه بشدة ورفع يده عن المقعد ثم أعادها بعصبية.. تشتت توازنه.. زفر محاولا استعادة هدوئه ثم قال بصوت هادئ..: هذا ليس موضوعا يمكنك الكلام فيه..
سحبت نفسا عميقا وأطلقته..: انا اختلف معك.
لاحظت أنه ضغط بقبضته على المقود.. قال آمرًا: سيجارة..
تنهدت.. أشعلت له سيجارة.. تناولها منها وسحب نفسا سريعا فاتحا النوافذ في الوقت ذاته..
قال بعد أن هدأ قليلا: ليس عندي جواب.. ليس لكِ أب..
قالت بضيق: من المؤكد أنني لم أولد من رحم الطبيعة.. لي أب وأم..
تجاهل سخريتها: سأصحح يا منال.. منذ دخلتِ منزلي لم يعد لكِ أبٌ وأم..
: ولكنك لا تعاملني على هذا الأساس!!
: أنا أعاملكِ كما أريد، هذا لا علاقة له بالعائلة اللعينة التي جئتِ منها!
كان يوقف السيارة أمام المنزل عندما قالت بصوت بارد: ولكنك فعلت أمورا كثيرة بدافع الانتقام!
سحب نفسا من السيجارة بعصبية.. إنه يعرف جيدا عن ماذا تتحدث.. يعرف جيدا!
---كانت مراهقة.. لازالت بعمر ١٤ سنة..
يومها كان عائدا إلى المنزل هائجا بعد أن أجرى مكالمة مع والدها لأول مرة منذ سنين طويلة! والدها عائد مرة أخرى! سيستعيدها!
دخل المنزل وهو يشعر بثورة عظيمة في داخله وبغضبه وكرهه كله يعود! لم ينتقم بعد! هذا الانتقام لا يكفي!!!
لا هو، ولا هي ينسيان هذا اليوم..
كانت جالسة في غرفتها.. فتح عليها الباب بعنف.. التفتت مفزوعة.. كان شكله مخيفا وغريبا وأنفاسه سريعة..
قطبت حاجبيها وقالت باضطراب: يوسف.. ما الأمر؟
ظلّ محدقا بها لثوانٍ.. ثم تحرك نحوها وسحبها من عضدها بقوة لتقف أمامه.. قطبت حاجبيها وقالت بألم: ما الذي......
قطع كلامها حين صفعها.. التف وجهها بشدة.. التفتت إليه بصدمة.. لماذا يهاجمها بلا سبب؟؟؟؟
قبل أن تنطق صفعها ثانية وثالثة ثم لكمها على بطنها لكمة شديدة أفقدتها القدرة على التنفس! صفعة ثانية وخامسة وصفعات كثيرة لم يحصها أي منهم ثم دفعها بعنف وخشونة على سريرها.. كانت تتنفس بحدة وهجومه المفاجئ أفقدها كل قدرة على التصرف، تجمد جسمها من الفزع حين انحنى فوقها.. استند بثقله على معصميها.. نظر إلى عينيها وقال بجدية: أنا لا أحب ما سأفعله الآن، ولا أريد فعله، لكنني سأفعله يا منال! لا تقاوميني كي ينتهي الأمر بأقل قدر من الألم!
جحظت عيناها بخوف شديد وسرت رجفة شديدة في كل جسدها.. بحركة سريعة جمع معصميها تحت إحدى يديه ومد يده الأخرى ليمزق بنطالها بقسوة.. انتفضت وقاومته باستماتة وهي تصرخ برعب: يوسف! ماذا تفعل! هل جننت!
استند بركبته على ساقيها ليثبتها فصرخت بألم، قال بعصبية: لا تقاوميني!هل تفهمين؟ لا تقاوميني!
ازدادت مقاومتها عنفا وقالت بهلع: لا تفعل.. لا تفعل.. لماذا تفعل هذا!! أنت لا يمكن أن تفعل لي شيئا كهذا!
احتدت نظراته ومزق بنطالها وسحبه بحركة سريعة ورماه بعيدا.. اصفر وجهها واخذ جسدها كله ينتفض وتساقطت دموعها بسرعة كبيرة.. قالت بتوسل وصوتها يرتجف بالبكاء العنيف حين مد يده للشيء الأخير الذي يسترها: لا تفعل.. ل....ا تفعل... يوس...ف... أرجوك...
أغمض عينيه وهو يشعر بالألم.. لا يريد أن يفعل هذا.. لا يريد أن يراها هكذا، ولا يريد أن يسمع توسلاتها البائسة هذه! فتح عينيه وصرخ بقسوة: اسكتي!!
شهقت بالبكاء وقالت بيأس: أرجوك... توقف....
تجاهلها وشقّ القطعة الأخيرة ورماها بعيدًا.. ألصق شفتيه بشفتيها بقوة وعنف كي يسكتها، خفض الشورت الذي كان يرتديه واعتدى عليها بقسوة متعمدا إيلامها وإيذاءها قدر المستطاع واضعا صورة والدها وانتقامه منه في باله طوال الوقت.. كانت تئن تحت يده وتتلوى وتحاول مقاومته باستماتة، كلما قاومته كان يصير أعنف وأقسى.. وفجأة سكنت تماما بين يديه.. رغم أنه لم ينته بعد.. لازال يتحسس جسمها بيده ولازال يدمي شفتيها ولازال...
رفع وجهه عنها قليلا ونظر معتقدا أنها فقدت وعيها.. كانت مرتخية بين يديه.. عيونها مفتوحة.. كسيرة.. دموعها لا تتوقف... ضغط على أسنانه وبحركة وحشية سريعة سحب الغطاء ورماه على وجهها.. يريد أن يتعامل معها كجسد.. جسد فقط...
لم تعد تقاوم.. أخذ ما يريده منها وأكثر.. رفع نفسه عنها ورفع بنطاله وألقى الغطاء فوقها.. همس من بين أسنانه: ستذكرين هذا لوالدك حين ترينه.. وغادر الغرفة وهو يتنفس بحدة شديدة.. أغلق الباب خلفه وأقفله ثم غادر المنزل..---
هي لا تنسى ذلك اليوم أبدا.. تكوّرها الطويل على نفسها نازفةً لأيام.. الصدمة.. الألم النفسي المخيف المرعب الذي عايشته.. كرهها الفظيع لنفسها.. وله.. وللعالم.. لم تشفَ من تلك الحادثة أبدا.. تفكر بها كل يوم.. لازالت متأذية.. لقد قتلها يومها.. فقدت شعورها وفقدت كل شيء.. وامتلكها فعلا.. قتل إرادتها..
نظر إليها بضيييق.. كانت عيونها الباردة تحدق به.. لفّ وجهه نافثا هواء سيجارته خارج النافذة ثم التفت إليها مرة أخرى..
شعرت بأنه اضطرب بشكل لم تتوقعه.. هذه أول مرة تواجهه بشكل مباشر في هذا الموضوع.. مرر يده في شعره وقال بعصبية: هذا يكفي.. لقد سايرتكِ كثيرا اليوم.. هيا تحركي!
ضغطت على أسنانها بغيظ: أنت لم تجب سؤالي!!!
أجابها بحدة: ولن أفعل يا منال!!!
نزلت من السيارة بعصبية صافقة الباب خلفها.. كلاهما عصبيان جدا منذ بدأ موضوع الحمل هذا.. هو صار شعلة متحركة منذ عرف.. وهذه ليست عادته.. وهي صارت تفقد صبرها وتثور عليه وهذا أيضا ليس من عادتها..
دخلا المنزل.. قالت بجدية: ماذا الآن إذًا؟
التفت إليها متسائلا: بشأن ماذا؟؟
تنهدت: بشأن.. الطفل..
عاد الهم إلى وجهه.. مسح وجهه بكفه وقال بتعب: لا أعرف.. لا أعرف.. هذه أول مرة لا أعرف فيها حقًا..
سحبت نفسًا.. قالت بهدوء: هلا جلسنا قليلا؟
حدق بها للحظات ثم تحرك للصالة.. جلس على كنبة وجلست على الكنبة المعامدة.. قالت بجدية: علينا أن نقيس العواقب يا يوسف.. إذا لم نجرِ هذه العملية، سيولد إنسان تعيس، دون شك سيكون تعيسا! سيكبر تعيسا ويعيش تعيسا وسيكرهنا، وسيموت تعيسا..
بينما إذا أجرينا العملية، يوجد احتمال أن أنجو أنا وينتهي الأمر بأقل الأضرار، واحتمال أن.. أتأذى أنا.. وأنا راضية بهذه التضحية في سبيل تخطي العاقبة الأولى!
تغير وجهه إلى ملامح قاسية.. لا تفهمها! غمغم من بين أسنانه: هذا ليس احتمالا واردا! لا تزعجيني! أنا لا أخاطر بخسارتك أبدا حتى لو عنى ذلك أن ينتهي العالم كله أو يتحول إلى كومة من التعساء! لا أهتم! هل فهمتِ؟ إذا لم نجد طريقة للتخلص من هذا الشيء اللعين بأمان فسيولد! لا حل آخر!
أغمضت عينيها بضيق.. دفنت وجهها في كفيها.. قالت بتعب: لا يمكن أن يولد.. لا يمكن.. نحن لا نصلح!
قال بعصبية: أنا لا أتوق لشيء مثل هذا، ولكن لا حل آخر! -نهض- لا تتأخري.. لا أريد النوم وحيدا!
تنهدت.. كانت متعبة أصلا بسبب التجول في المستشفيات وإجراء الفحوصات طوال اليوم.. استحمت واسترخت طويلا تحت الماء.. ارتدت تيشيرت وذهبت إلى الغرفة.. كان قد استحم هو الآخر.. واستلقى بكسل على السرير.. قالت بهدوء: هل أغلق النور؟
: نعم.
أغلقته وأبقت المصباح الخفيف.. شيء مضحك ولكن يوسف لديه فوبيا فظيعة من الظلام.. كتلة القسوة هذا لا يمكنه البقاء في مكان مظلم!
استلقت بجانبه مطلقةً نفسًا متعبا وهي ترخي كفها على بطنها لا شعوريا..
بعد مدة من محاولة النوم، شعرت به يسحبها لحضنه.. التصق ظهرها بصدره وأحاطها بيده.. أغمضت عينيها.. لم تعرف هل هي متضايقة أم مرتاحة.. إنه دافئ حين يعانقها دون رغبة جنسية.. إنها تعرف أنه يبحث عن شعور الأمان فحسب.. ولكنها منزعجة.. يعاملها كدميته..
غفيا بعد تفكير طويل.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن