٤٧

1.6K 51 3
                                    

خرج فارس من الحمام والماء يتقاطر من وجهه.. رأى اباه وعمته جالسين الى مائدة الطعام.. ابتسم بمرح حين سمع ترحيب عمته ثم ركض نحوهما وهو يحيي: صباح الخير.
اجابته سارة وهي تقرص خده مستظرفةً سلوكه: صباح النور.
ما إن جلس حتى سأل مباشرة: بابا، هل تكلمت مع ماما؟
لم ينطق يوسف، وانما اخذ هاتف فارس والذي كان قد تركه مع عمته كي لايضيع، وناوله له بصمت.
تنهد فارس متأذيا من ذلك البرود واتصل بأمه.. ردت منال مباشرة قبل أن يرن الهاتف حتى نصف رنة.. فهي كانت تعرف ان كل شيء يجب ان يجري بشكل مثالي كي يظل فارس مطمئنا بخصوص الخروج والابتعاد عنها، خصوصا مع نومه في الخارج الذي كان يعتبر تغييرا كبيرا في روتينه.
ولهذا كانت تبقي الهاتف بجانبها عالمةً انه سيتصل فور استيقاظه..

ابتسم فارس براحة حين وصله صوت امه بسرعة.. بعد محادثة قصيرة اطمأن فيها ان كل شيء على مايرام اغلق الهاتف وبدأ يتناول فطوره بشهية..
تنهد يوسف وهو يتأمل راحته ومزاجه الجيد.. لم يكن يريد ان يفسد ذلك المزاج حيث كان سيناقشه في مسألة ما، ولكنه كان مضطرا.
رشف من شايه متوترا وهو يراقب ثرثرة فارس عن اصدقائه في المدرسة مع سارة التي كانت تستمع له بتسلية.. قرر ان يؤجل الامر قليلا.
نهضت سارة لتستحم وودعت فارس ويوسف اللذين قررا ان يذهبا.
ترك يوسف المائدة وغسل يديه، عاد بعدها ليجد فارس جالسا على الاريكة منشغلا بربط حذائه..
جلس على الاريكة المقابلة له وقال بهدوء: اسمعني يا فارس..
رفع فارس رأسه الى ابيه بقلق.. تنهد يوسف..: لا تنظر الي هكذا، انها مسألة عادية، ما الذي يقلقك؟
سكت فارس وانتظر البقية مضطربا.. تابع يوسف بنبرة طبيعية: وصلني اتصال هاتفي، انني مضطر للسفر فترةً قصيرة لأجل العمل.. هل هذا مناسب لك؟
تلون وجه فارس.. قال بضيق شديد: لماذا؟ انت لم تفعل هذا من قبل! لقد سافرت ماما ايضا عندما..-
توقف فارس عن الكلام وبدأ يفقد رباطة جأشه.. قال يوسف منزعجا من تدميره لمزاج فارس الرائق: فارس، اهدأ، انني سأذهب لمدة قصيرة فقط، وسأتصل بك كل يوم، اعدك، سأعود قبل ان تفتقدني حتى.
لم ينطق فارس وأخذ يرتجف، وأحس ان الكابوس كله يتكرر من جديد.
لم يعرف يوسف كيف يتصرف، ولكنه كان مجبرا. لايمكنه العودة الى المنزل الان، يجب ان يمنح منال فترةً كي تتعافى فيها نفسيا. يعرف جيدا ان تظاهرها بمحبته الان امام فارس سيكون شيئا في غاية الصعوبة، كما ان تحملها لوجوده نفسه سيشكل عليها ضغطا.. اراد ان يمنحها اجازة قصيرة ويمنح نفسه وقتا كي يجرؤ على النظر الى وجهها من جديد.

لاحظ ان فارس بدأ يمسح عينيه محاولا اخفاء دموعه.. قبل ان يتكلم سمع صوت سارة التي دخلت عليهما وهي تجفف شعرها..: هل تعرف يا فارس، لقد كان ابوك كثير السفر من اجل العمل قبل ان تولد، بل كان يسافر كل اسبوعين تقريبا.
التفت لها فارس بعيون متسائلة، وقطب يوسف حاجبيه متسائلا عن هدف هذه الكذبة.. ابتسمت وقالت: اعتذر، الجدران رقيقة، وقد سمعت حديثكما. -جلست بجانب فارس واحاطت كتفيه بذراعها- ولكن ما إن ولدتَ حتى توقف عن السفر لأنه لا يريد ان يتركك.
رفع فارس رأسه بصدمة..: حقا؟
لم ينطق يوسف، تابعت سارة: ولكنك الان كبير وهو مضطر للذهاب. انا اظن انك ستتفهم هذا، فهو لم يسافر وانت رضيع لا تعي شيئا حتى لا يتركك فترة قصيرة فهل تظن انه قد يتركك تركا فعليا الان؟
سكت فارس وهز رأسه بالنفي وبدأ يهدأ.. تكلم يوسف هذه المرة وقال بصوت هادئ: انني لا اخبرك انني سأذهب يا فارس، بل إنني اطلب اذنك. اذا رفضت، وقلت لي ان هذا سيؤذيك، فسأبقى. سأفعل ماتريده انت.
ابتسم فارس ابتسامة صغيرة: فعلا؟
: بلا شك.
مسح فارس وجهه مبعدا دموعه وقال محاولا ان يتماسك: لا بأس. يمكنك الذهاب. انا اعرف انك ستعود.
ابتسم يوسف..: بالطبع سأعود.
نهض الاثنان ليذهبا.. شكر يوسف سارة على تدخلها الذي انقذه من موقف حرج، قبّل وجنتها وخرج، بينما عانقها فارس بمحبة وتبع اباه.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن