ابتسم فارس مطمئنا حين فتح عينيه على وجه أمه النائمة بجانبه، لاحظ أن كفها تحتضن كفه فابتسم أكثر. ثم خلال ثوان ذابت ابتسامته حين فكّر، لماذا هي بجانبه رغم رغبتها في البعد عنه بالأمس؟ وكان استنتاجه الوحيد أنها لم ترغب بالبقاء بجانب أبيه. عاد القلق إلى نفسه واختفت كل طمأنينته.. هزها بسرعة: ماما! ماما؟
فتحت عينيها ببطء.. جلست وصورة وجه فارس المضطرب تتضح أمامها تدريجيا..: ماذا يا فارس؟ ماذا بك؟
التوت شفتاه وحارب بكاءه: لماذا أنتِ هنا؟ هل تشاجرتِ مع بابا؟
بذلت منال طاقة خيالية كي لا يظهر عليها انزعاجها ومللها وتعبها الشديد من وسواس فارس الذي صار مبالغا فيه.. بعد ثوان سيطرت على كل انفعالاتها وقالت بنعومة: بالطبع لا، لقد رغبت بالبقاء معك.
: فعلا؟ أنتِ لا تكذبين علي؟
سحبت نفسا عميقا مهدئة نفسها ثم قالت وهي تمرر أصابعها على وجنته: هل تظنني كنت سآتي إلى هنا وألفت نظرك لابتعادي عن بابا لو كنا متشاجرين؟ صدقني يافارس، أنا هنا لأنني افتقدتك وأردت وجودك بجانبي.
زفر فارس مرتاحا، بلع ريقه ممتنعا عن البكاء وقال هامسا: حسنا.. هذا جيد.
مررت كفها في شعره ونهضت وهي تقول: هيا، تجهز. وجهز للكلب طعامه، لقد شرح لك بابا أنك مشارك في مسؤوليته، صحيح؟
هز فارس رأسه بالإيجاب وقفز متحمسا حين تذكر وجود الكلب الذي نسيه بسبب اكتئابه..
: هل اخترتَ له اسما؟
قال فارس بفخر: نعم، "بندق"!
رفعت حاجبيها: بندق؟ تعني مثل بندق صديق الفأر ميكي؟
شهق فارس بانفعال وكأنها حققت إنجازا عظيما: كنت واثقا أنكِ ستعرفين قصدي، ماما، أنتِ عبقرية، بابا لم يفهم من أين جئتُ بالاسم!
ابتسمت منال مستظرفة معايير فارس في تصنيف الذكاء، لقد اعتبرها عبقرية لأنها تذكرت اسم شخصية كرتونية. بالطبع، لم يكن يوسف ليتذكر ماهي الشخصيات الخيالية التي تهم فارس، فهي التي جلست دائما مع فارس أمام التلفاز وهي التي قرأت له قصصه المصورة.
قالت مازحة مجاريةً معيار الذكاء هذا: حسنا، هذا طبيعي. تعرف أنني أذكى من بابا بكثير.
قطب فارس حاجبيه وقال بحذر خافضا صوته: لا تقولي له هذا، تعرفين أن غروره لا يسمح له بقبول أن أي أحد أذكى منه!
أوشكت منال أن تضحك، فحتى فارس على صغر سنه يلاحظ غرور أبيه الذي يجاهد يوسف كي ينكره. تركت الغرفة مبتسمة بعد أن أنعشتها هذه المحادثة رغم سخافتها، فبراءة فارس دائما تريها أن في الحياة أشياء تستحق العيش، وأنها ليست دائما بالسواد الذي تراها عليه.بعد أن اغتسلت منال ذهبت لتحضر الفطور، وجدت أنه جاهز بالفعل. كان يوسف بانتظارهما جالسا إلى المائدة وفي حضنه قبع بندق بهدوء، انزعجت حيث لم تكن تريد البقاء معه وحدهما. قررت أن تعود إلى الداخل حتى يخرج فارس.
: تعالي منال.
لفتها نداؤه، التفتت وقالت بضيق: ماذا تريد؟
: أريد أن أقول لكِ شيئا، تعالي.
زفرت.. لم تكن تريده أن يفسد مزاجها الذي تحسن قليلا بمعجزة.. أطاعت كي لا تزيد الأمور سوءا، اقتربت منه، استندت بكفها على ظهر كرسيها الفارغ، قالت بنبرة شديدة الهدوء: اسمعني يا يوسف.. أنا أفضل حالا من الأمس. لا تعدني إلى نقطة الصفر. لا تقم باستفزازي. هل يمكنك أن تتصرف باتزان؟
قطب حاجبيه منزعجا، لماذا هي تفترض أنه سيستفزها لمجرد إرادته الكلام معها؟
تأملها، لم تكن أحسن حالا، إن مزاجها واضح من وجهها، ليست بخير، وستسوء مع الوقت من جديد. لم يكن باستطاعته تأجيل كلامه معها.
قال بالنبرة الهادئة ذاتها: لن أستفزكِ. أريد أن أتكلم معكِ في مسألتين، كلا، في ثلاث مسائل مهمة. وأريدكِ أن تبقي في المنزل حتى أفعل. لا تذهبي للعمل، سآخذ فارس للنادي وأعود لنتكلم.
سكتت لاتعرف ماذا تقول، هذا ماكانت تخشاه.. هي تعرف أنه يستحيل أن "يتكلما" وحسب. سيتحول الأمر إلى شجار، وإلى أذى، دون شك. وربما إلى جنس إجباري.
قالت برجاء لم تحاول إخفاءه: لست أملك القوة لهذا. ليس اليوم. لاحقا.
: متى إذا لم يكن اليوم؟
: عندما يكون الوقت مناسبا.
ابتسم بسخرية: هل تظنين أنني قد أقبل هذا الموعد المطاطي؟
زفرت بيأس وسكتت.. عندما يصر بهذه الطريقة تعرف أنه لن يغير رأيه مهما حاولت.
راقب ملامحها بدقة، رأى أنها يئست من المحاولة رغم رفضها الشديد لفكرة النقاش هذه لعلمها أنه لن يغير قراره. دلك ذقنه ببعض العصبية وهو يحس أنه يفتقد الأيام التي لم يكن يبالي فيها بشعورها، حين كان يسمح لنفسه بإيذائها وإرعابها حتى تطيعه دون أن يزعجه هذا. وقتها كان الحصول على مراده شيئا سهلا. أما الآن فهو يرى التعاسة على وجهها ويتأذى لإدراكه أنها بسببه.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romantikتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...