١٢٧

1.3K 50 25
                                    

بعد ممارسة حميمية للغاية، ارتخت منال بإجهاد كبير على كتفه.
لم يكونا قد تكلما مطلقا، إلا أنهما لم يتوقفا عن التحديق ببعضهما أبدا خلال الممارسة. اتصال بصري حاد ومستمر وعاطفي على مدى عشرين دقيقة..
كانت هي فوق حضنه، وهو مرتخ على مقعد السيارة، كلاهما كانا يدفعان حوضيهما ليتصادما بقوة.
الصمت الكامل كان يخيم على السيارة إلا من ذلك الصوت، وصوت تنفسهما الحاد، واحتكاك قماش ملابسهما الطفيف بجلد المقاعد، حتى فرغا.

أحاطها بذراعيه بحميمية كبيرة، محاولا أن يلصقها به قدر المستطاع. كان قميصه مفتوحا، وكانت تمرر أصابعها بخمول على صدره العاري بعد الجهد الكثيف الذي بذلاه.
رفع كل منهما ملابسه السفلية، وفتح هو أغطية النوافذ ليعود نور الغروب المائل للون الوردي ليتسلل وينعكس عليهما..
أغمضت عينيها واستمعت لنبضات قلبه السريعة فيما كان يعبث بشعرها.. وسكتا..
سمعت صوته الهادئ للغاية بعد دقائق: آسف.. على الأشياء التي قلتُها في الداخل.. أنا لم أعنِ أيًا منها.
تنهدت.. كلاهما قالا أشياء قاسية للغاية، المشكلة أنها لم تكن تستطيع أن تقول له الشيء نفسه، فهي كانت تعني كل ماقالت..
همست وهي تشد نفسها أكثر إلى حضنه: شكرا لك..
غرس كفه في شعرها أكثر.. كانا هادئَين للغاية.. كل ذلك الغضب في الداخل، وكل ذلك العنف نفعهما الآن.
قالت بصوت مهزوز: أنا آسفة، لبشاعة الأشياء التي عشتَها بسبب أحمد وحسام. لم يكن يجب أن تعيش كل هذا..
قبّل شعرها وهمس: لا بأس.. مادمتُ معكِ الآن.
عضت على شفتها حين أحست بالعاطفة تفيض من قبلته ونبرته.. رفعت نفسها عن حضنه وحدقت بملامحه.. مررت أصابعها على كل جزء من وجهه بتفكير.. بينما ظل هو يتأملها بهيام..
بدت له حزينة.. حزينة جدا كالعادة.. تمتم وهو يمرر كفه على ظهرها: منال.. ماهذه الملامح؟ هل يؤذيكِ حبي إلى هذا الحد؟
ارتخت أصابعها على وجنته، وتكثفت لمحة الكآبة على وجهها.. أبعدت عينيها عن عينيه.. أمسك وجنتها بلهفة: لا، انظري إلي..
نظرت إليه من جديد وأحست بضعف كبير.. كان يراقبها بتلك الملامح المليئة بالحب، بملامح الطفل المهجور، والمضطهد، لا بملامح الوحش. إنها كانت ملامح تحتاجها كثيرا وسط وحدتها وخوفها من المستقبل، لم تكن تعرف كيف تستقل، وكيف تهمل هذا الشعور الآن.. كانت بحاجة ذلك الأمان الكبير الذي يغرقها بداخله، كان وجهه يقول لها أنها لن تكون وحيدة أبدا، لن تتأذى، ولن تخاف، ولن تحتاج لأي شيء، إنه يقول لها، دون أن يتكلم، أنه سيفعل أي شيء من أجلها.. كيف ستقاوم كل هذا فيما هي في وضعها النفسي الحالي؟

قالت بصوت هادئ فيما تسللت أطراف أصابعها إلى شعره: أنا دائما حزينة، يا يوسف، وسأكون دوما كذلك.. هذا ليس شيئا يمكننا تغييره، ولكن، ليس حبك هو السبب، بل على العكس، عاطفتك أصبحت تخفف عني حزني، لا تزيده.. إنه يؤلمني.. ولكن.. إنه يساعدني.. لا أعرف كيف أصف ذلك..
تنهد يوسف.. ابتسم بكآبة: تعرفين؟ أنتِ سيئة جدا في وصف الأشياء.. أنتِ لا تحسنين استعمال اللغة.
ابتسمت بصعوبة.. كان محقا.. دائما كانت بارعة في طرق التعبير الأخرى، الجماليات مثل الرسم والعزف، لكنها لم تكن تحسن التعبير عن نفسها بالكلام.. وذلك كان طبيعيا، حيث أن يوسف منعها من التعبير وتفنن في قمعها منذ عمر صغير جدا.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن