١١٠

1.3K 53 7
                                    

أوقف يوسف السيارة أمام بيت مظلم.. لم تستطع منال تمييز المكان جيدا، ولكنه بدا لها حيا سكنيا عاديا..
نزل يوسف من السيارة دون كلام.. زفرت منال ونزلت هي الأخرى منزعجة من كل ذلك الغموض..
اتسعت عيناها حين وقفت أمام البيت وميّزته مباشرة.. السور المنخفض، الحديقة الصغيرة التي تحيط بالبيت كاملا، وكل شيء، كل شيء كان كما هو منذ المرة الأخيرة التي كانت فيها هنا.

كان ذلك منزلها الذي عاشت فيه مع أبيها كل حياتهما قبل أن يتركها مع يوسف.. لم تكن قد جاءت إلى هنا منذ ذلك اليوم.
دس يوسف يده في جيبه وأخرج عدة مفاتيح تجمعهم سلسلة واحدة، ثم ناولها لها بصمت.

أفاقت من ذهولها وحدقت بالمفاتيح لحظات.. قالت بهدوء: أنت تملك هذا البيت؟
تردد يوسف قبل أن يقول: اشتريته من أحمد قبل أن يترك البلاد. إنه لي منذ ذلك الوقت. ولكن.. لقد كتبته باسمكِ بعدها بعدّة سنين.
مررت منال كفها في شعرها بضياع..: لماذا لم تخبرني من قبل؟
حدق يوسف بالأرض وهمس وهو يعابث بحذائه عشبةً صغيرة: لم أستطع فعل ذلك. أنا أكره هذا المكان. وأكره ارتباطكِ به. إنه يمثل علاقتكِ بأحمد.

ابتسمت بسخرية أخفت خلفها الكثير من الألم: ولم يعد هذا الأمر يزعجك، لأن أحمد لم يعد موجودا.
عبس وقال بحدة: بالطبع لا.. الأمر يزعجني، هذا البيت وكل ما يمثله يقتلني، ولكنه لكِ، ولو كان وجوده سيمنحكِ شعورا جيدا، أريد استغلال هذا.

سكتت منال ثم أخذت المفتاح منه.. تقدمت إلى الداخل بين الأعشاب الكثيرة الكثيفة التي نمت في الحديقة المهملة..
أحست بألم شديد حين وقفت أمام الباب.. لم يتغير شيء. هذا الباب الذي وقفت أمامه ممسكة يد أبيها عشرات المرات في طفولتها.
لاحظت وجود عدة أقفال على الباب، استنتجت أن يوسف أضافها كي يحمي البيت من أي دخلاء، فهو كان مهجورا لسنين كثيرة.

تحاملت على نفسها وأدارت المفاتيح في الأقفال، فتحت باضطراب وخطت للداخل المظلم.. لاحظت أن يوسف يقف خلفها ولا يتبعها.. التفتت نحوه بتساؤل.. فرك كفيه ببعضهما ثم قال بتردد: هل.. ألا تمانعين دخولي؟
في الواقع، كانت خائفة، وكانت بحاجة ماسة لوجوده.. أجابت بصدق ووضوح: كلا.. تعال معي. لا أريد أن أكون هنا وحدي.
رفع يوسف حاجبيه متفاجئا بعض الشيء.. لم يتوقع أن تعبر له عن احتياجها له هكذا..

دخلا، بحثت يدها عن زر الإضاءة في الجدار لعلمها أن يوسف لن يدخل مالم يكن المكان منارا، تذكرت يدها المكان جيدا رغم الظلام، وبالفعل، أضاء المكان مباشرة.
سألت وهي تتأمل المكان بعينيها: لماذا لازالت الكهرباء تعمل هنا بعد كل هذه السنين؟
اعترف يوسف قائلا: لم آتِ هنا منذ اشتريت المكان.. ولكن.. ينظفه رجالي كل عدة سنين، يعتنون به ويحافظون عليه. ولكنهم لا يغيرون أي شيء.. كما ترين، كل الأثاث مغطى ولم يُلمس شيء ولم يتحرك من مكانه منذ تركتِه أنتِ وأحمد.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن