٩١

1.7K 67 19
                                    

وضعت منال الهاتف جانبا ورمقت بحنق يوسف الذي كان يحاول إيجاد وضعية جلوس لا تؤلمه.. جواربه تحول لونها من الأبيض للأحمر، وظهره لم يكن يبدو أقل سوءا..
كان العرق يتصبب من جبينه، وكان يبذل جهدا واضحا كي يخفي ألمه متظاهرا بالقوة..
لاحظَت أن جرحا في ظهره كان ينزف بكثرة، على عكس بقية الجروح التي كان نزيفها بسيطا بسبب وجود الزجاج داخلها والذي منع تفجر الدم.
أدركت أن ذلك الجرح كان مفتوحا لازجاج فيه. وأدركت كذلك أن استمراره في النزيف خطير للغاية..
تلفتت حولها باحثة عن منشفة أو قماش، لم تجد شيئا.. نظرت بعصبية مرة أخرى إلى يوسف ومستنقع الدم الذي بدأ يتكون حوله.. تنهدت بتعب.. من المضحك المبكي أن ذلك المشهد لم يعد مستنكرا بالنسبة لها.. لماذا تؤول مواقفهم دائما إلى جراح وبركٍ من الدم؟

خلعت عنها قميصها لتبقى بصدريتها فقط، وبحركة فاجأت يوسف كوّرت قميصها ورمته نحوه.. بردّة فعل تلقائية التقط القميص ونظر إليها متسائلا..
قالت بصوت هادئ: اضغط القميص على جرحك باستعمال الجدار لتخفف النزيف.
كانت تلك فكرة جيدة لم تخطر في باله، كور القميص أكثر ثم ضغطه بين الجرح المفتوح في ظهره وبين الجدار بقوة.. جز على أسنانه حين أحس بألم في كل جروحه.. تحديدا في قدمه التي كان ألمها يكاد يفقده صوابه.
ضرب رأسه ضربة خفيفة على الجدار محاولا أن يحافظ على وعيه.. وخرجت منه آهة لم يستطع منعها..

سمع صوتها المستاء: لا أفهم لم فعلتَ هذا.. لا أفهمك. لماذا قد تفعل شيئا كهذا بنفسك؟
أسند رأسه إلى الجدار.. حدق بها بنظرات حالمة لاتتوافق مع حالته الجسدية وسكت.. أحست بغضبها يزيد.. يرمقها بتلك النظرات المُحبة، وهو مغطى بالجراح لأنه لم يستطع أن يتحمل رؤيتها تتأذى.. كيف يجرؤ على هذا؟ كيف يجرؤ على الاهتمام والاعتناء بها لهذا الحد فيما أمضى أيام عمره يؤذيها ويضطهدها؟
امتلأت عيناها بالدموع مرة أخرى.. كرهت بكاءها بهذه السهولة.. لكنها كانت في وقتٍ حساس، حساس للغاية.. وكانت تصرفاته هذه تؤثر بها تأثيرا كبيرا..

عادت إلى ذهنها اللقطة التي لازالت تروّعها وترن في ذهنها كجرس إنذار.. صورته عندما بكل قوته، وبلا تردد، غرس قدمه بالأرض ليزيد غوص الزجاج داخلها كي يحميها من ملامسة الزجاج عند السقوط..
تعرف كم يكره يوسف الألم.. كيف تحمل ألما كهذا دون تفكير من أجلها؟
قالت بصوت مخنوق: لا يمكنك أن تحبني لهذه الدرجة.. لا يمكن لأحد أن يفعل هذا لأحد آخر.. مهما كان يحبه!
ابتسم شبه ابتسامة، ابتسامةً جانبية صغيرة وضئيلة.. قبل أن يقول: أنتِ مخطئة.

عصرت عينيها بأصابعها بعصبية مبعدةً الدموع.. تمنت لو تشتمه.. لو تلعنه من أعماقها، بأعلى صوتها، انتقاما من هذا التشتت الذي يسببه لها.. انتقاما من الألم الهائل الذي يقطّع أحشاءها حين يغمرها حبه ويؤثر على كل مشاعرها وأفكارها.. انتقاما من سيطرته النفسية عليها والتي لا تقل سوءا ووحشية عن سيطرته الجسدية.
قبل أن تجيب سمعا صوت الجرس.. أبعدت منال يديها عن وجهها وتحركت لتنهض..
أوقفها صوت يوسف العصبي مباشرة: إلى أين؟ هل جننتِ؟
: جروحي ليست بهذا السوء يا يوسف، سأفتح فقط!
انزعج يوسف بشدة: بالطبع لن تفعلي!
تنهدت بيأس من أسلوبه وقالت بلهجة مهدّئة: حسنا يا يوسف.. لاتغضب. اهدأ.
عبس يوسف وسكت.. كالعادة، ليست مهتمة بمصلحتها ولا بصحتها.. وكأنها تتقصد إصابته بالجنون.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن