١١٦

3.2K 81 33
                                    

خرج يوسف إلى الصالة، حين دخل كانت منال جالسةً على الأريكة بوجهٍ رطب بعض الشيء، وكانت في يدها منشفة صغيرة..
كانت تجفف يدها ببطء وشرود، إصبعا إصبعا، وخليةً خلية، وكأنها في عالم آخر. بدت وكأن تركيزها منصبٌّ على شيء ما، لاحظ وقتها أنها تضع سماعةً في أذنها.

أطلق يوسف نفسًا متعبا.. إنها تبدو فاتنة كالعادة، فاتنة لدرجة تؤلمه.
يفكر يوسف وهو يتأملها.. إن حبه لها مؤلمٌ جدا.. تساءل كيف لم يركز كفاية في هذه النقطة من قبل ويحللها.. إن حبه لها يجعل قلبه يعتصر.. فهو يريدها، يريدها من كل قلبه، يريد كل شيء فيها. يريد جسمها، يريد قلبها، يريد حتى روحها. يريد أن يمتلكها، وفي الوقت نفسه، يريد أن تحبه هي بنفس الدرجة، يريد أن ترغبه هي، وأن تعشقه.
بلع ريقه حين فكر أيضا كم كل هذه الأشياء مستحيلة، فمنال ليست له، ولن تكون يوما له مهما أجبرها واستحوذ عليها بالقوة والقسوة، ولن تحبه، حبا حقيقيا، على الإطلاق.

تقدم منها بوجه كئيب، ورفعت رأسها نحوه حين أحست بحركته.
لاحظ أنها اضطربت بعض الشيء، ثم ضغطت شيئا في هاتفها.
قطب يوسف حاجبيه حين لمح شاشة الهاتف، كان هناك اتصالٌ ما، ولكنها قطعته ما إن أحست بمجيئه.

سأل بصوت هادئ وهو يجلس مقابلها: مع من تتكلمين؟
أجابت بكآبة وهي ترمي سماعتها عن أذنها: لا شيء، لا أحد.
عبس وحدق بها بملامة..: لماذا تكذبين علي؟
فركت عينيها بتعب ورمت المنشفة بعصبية.. بدى واضحا أنها لا تملك أي طاقة لهذا النقاش، وأنها في الوقت نفسه لم ترد أن تتشاجر معه، ولهذا صدر صوتها مجهدا ومليئا بالرجاء: يوسف، أقسم أنني لم أكن أكلم أحدا.. إنه فقط شيء شخصي وغبي، لا أريد أن أتكلم عنه. أرجوك، أرجوك انس الأمر!

مص شفته بغير رضى.. لقد رأى المكالمة بعينيه، والآن تقسم هي أنها لا تكلم أحدا؟ كيف له أن يتجاهل الأمر؟ كما أن قولها أن الأمر "شخصي" أزعجه للغاية، فبالنسبة له، شخصها ملكٌ له، وجزء منه، وليس لها أن تخفي شيئا عنه ظنا أنه يعود لها وحدها، ولا يعود له كذلك!
قرر أن يسكت، فهو بكل بساطة يراقب هاتفها، وسيراجع سجل مكالماتها لاحقا، ويعرف تفصيل الأمر دون أن يضطر لسؤالها.

قال بهدوء، كاتما كل تلك الأفكار: حسنا، لا تنزعجي، أنا آسف.
تنهدت محاولة أن تهدأ.. لم تكن تريد أن تنفعل، أو أن تسمح لحلمها اللعين أن يفسد الهدنة التي قررت أن تقيمها معه.. لم يكن شعورها تجاهه جيدا مع ذلك، ولكنها كانت تحاول السيطرة على ذلك الشعور.

سألت وهي تعبث بالمنشفة الصغيرة بين أصابعها: إذن.. ماذا فعلتَ مع فارس؟
اضطرب يوسف قليلا.. كان يتساءل عن ردة فعلها بخصوص كل ما حصل.. نهض من مكانه، سحب المنضدة الصغيرة وجلس أمامها، مقابلا لها مباشرة بحيث تلامست ساقاهما..
مد كفه لتلامس أصابعه أصابعها.. لاحظ اهتزازة يدها اللا إرادية تعبيرا عن رفضها المكتوم لتلامسهما.. زفر وسحب يده وهو يشتم محاولته الغبية لتلطيف الجو، وعاد ليجلس في مكانه الأول على الكنبة.
استرخى في جلسته، ووضع ساقا فوق ساق دون وعي.. لاحظت منال ذلك التصرف الذي عرفت جيدا سببه.. حين تأذى يوسف من رفضها له، رغم أنها لم ترفضه فعلا ولم تنطق، بدأ عقله اللاواعي يجعله يتصرف بطريقة متكبرة وبغيضة كي يشعر نفسه بالقوة والسيطرة، وحتى لا يسمح لها بإيذائه، إنها طريقة يوسف الكلاسيكية في حماية نفسه.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن