فتحت عينيها صباحًا على حركته.. كان يبعدها برفق ويسندها على الأرض ثمّ سحب هاتفه الذي كان يرنّ بإلحاح.. أجاب بصوت خامل، تنشّط فورًا حين صار الموضوع متعلقا بالعمل.. أخذ يناقش تفاصيل كثيرة وهو ينهض ويسير مبتعدًا عنها.. زفرت وانقلبت على ظهرها تتأمّل السماء.. ان هذا العمل اللعين، هذا النفوذ هو ما يمحنه سلطته، وهو مايجعله يسيطر عليها بسهولة، ويمنعها من التخلص منه.
أخذت تتأمّل الغيوم وهي تسمع صوت البحر محاولة ان تسترخي.. قطع عليها صوتُه الذي كان جافًا: انهضي.. جهّزي قهوتي كي نذهب بعدها..
تنهّدت.. عادوا إلى الواقع.. وعاد هو إلى طبيعته بعد أن كان انسانا لمدة قصيرة.. زفرت وجرّت نفسها.. نهضت وتحركت بتثاقل إلى الكوخ.. ذهبت إلى الحمام واغتسلت، لم تتفاجأ حين وجدت ملابس مناسبة لها في الدولاب.. كلّ شيء جاهز مسبقًا في حياتها مع هذا الشخص!
ارتدت بنطالًا وتيشيرت.. تعطّرت ووضعت مرطبها وجهّزت نفسها بالطريقة التي يحبّ.. ثمّ خرجت لتعدّ القهوة.. كان يستحمّ.. جهزت قهوته ووضعت بجوارها بعض البسكويت ورتبت كلّ هذا في صالة الكوخ التي تحتوي على نافذة كبيرة مطلّة على البحر..
رتّبت المكان وأشعلت شمعة ذات رائحة زكيّة وجهّزت كل شيء كما يحبّ.. قطعها عن عملها صوتُه: منال.. منال.
تنهّدت وذهبت إليه.. طرقت الباب: تعالي..
دخلت.. كان يجلس على الكنبة الوحيدة في الغرفة عاري الصّدر، يرتدي البنطال فقط.. قال بهدوء: أحضري الحقنة..
تحرّكت بصمت نحو الحقيبة وأخرجت الحقنة وجهّزتها.. اتجّهت إليه.. تقدّم في جلسته وأسند كوعيه على ركبتيه: احقنيها في ظهري.. تعرفين المكان..
لم تنطق.. وقفت خلفه وعقّمت المكان ثمّ دلّته بيدها بمهارة.. غرزت الإبرة بحذر ثمّ سحبتها وهي تسمع تنهيدته المرتاحة التي أطلقها.. وضعت الإبرة جانبا.. أركى ظهره إلى الكنبة ثمّ قال وهو يغمض عينيه: رأسي يؤلمني.. دلّكيه.. ثمّ جففي شعري..
اقتربت ووقفت خلفه تماما.. شعر بها تضع يديها بلطف على رأسه كما علّمها منذ طفولتها.. بدأت تدلّكه.. شعر براحة كبيرة تسري في رأسه وباسترخاء كامل.. مرّت فترة طويلة بعض الشيء.. شعرت بأنّ يديها على وشك التحطّم.. مدّ يده وقبض على كفّها.. فتح عينيه وسحبها لتلتفّ حول الكنبة وتأتي أمامه.. حدّقت به بتردد.. كان يمسحها بنظراته تلك.. التي تخيفها.. النظرات المليئة بالرّغبة!
ظلّت واقفة أمامه لا تستطيع فعل شيء.. كفّها في كفّه.. وعيونه تمسحها من الأعلى إلى الأسفل بتلذذ.. طال الوضع قليلا.. كانت ترتجف.. واستطاع هو ملاحظة ذلك.. سحبها ببعض القوّة وأجلسها على ركبتيها على الأرض أمامه.. أطرقت بخوف وهي لا تعرف مالذي سيفعله.. وضع يديه بخفّة على تيشيرتها وسحبه إلى الأعلى.. فهمت ماذا يحاول أن يفعل وتجاوبت معه وهي تنتفض.. خلع عنها التيشيرت ورماه جانبًا.. ظلّت ثابتة على وضعها ومطرقة لا تتحرّك.. استمرّ يتأمّلها لفترة إضافية قبل أن يقبض على عضدها بعنف، شهقت بخوف، ضغط على عضدها وسحبها، رماها لتستلقي على الكنبة ثمّ أسند ركبته بجانبها وركبته الأخرى بين ساقيها وانحنى فوقها.. كانت تتنفّس بسرعة وهو يضغط على عضدها ويزيد قوّته أكثر فأكثر.. اخترقت أنفها رائحة عطره وشعرت بحرارة صدره العاري تغمرها وهو يقترب تدريجيًا.. لحظات وكانت شفتاه على وجنتها.. قبّلها برقّة رغم أنه كان يسحق عضدها.. ثمّ خفض شفتيه ليقبّل رقبتها وهو يصبح أكثر حرارة ويمرّر يده الأخرى بسرعة على خصرها.. عاد ليقبّل شفتيها بقسوة هذه المرة.. انتفض جسدها بتعب وأنفاسهما تزداد حدّة.. همس من وسط أنفاسه السريعة وهو يمرّر كفّه على وجنتها: أنتِ جميلةٌ جدا.. ولذيذة..
أغمضت عينيها بتعب.. لحظات وارتفعت يده ثمّ هوت على وجهها بصفعة حارّة.. التفّ وجهها بقوّة.. ضغطت على أسنانها بألم.. لا يمكنه أن يترك الأمر يمرّ بسلام.. يجبّ أن يراها تتألم وتعاني كي تكتمل متعته!
دفن وجهه في رقبتها وهو يقبلّها بحرارة ثمّ قبّل كل مكان في وجهها بحرارة هادئة في الوقت نفسه.. كانت تشعر بأنفاسه تلسعها وبيديه تمرّان على كلّ مكان في جسدها وتعصرانه بلا رحمة!
أرجع جسمه قليلا إلى الخلف ثمّ بدأ يقبّل بطنها وهو يثبّت معصميها بقوة بجانبيها ليمنعها من الحركة.. أسند كلّ ثقله على معصميها وضغط عليهما فأفلتت منها آهة خفيفة.. قبّل بطنها وخصرها وكتفيها بنعومة واستمتاع.. كانت تعرف أنّه في هذه اللحظات يغرق تماما.. يغرق في جسدها ويغيب عن وعيه كليًا.. يستغرق في تسليته وتلذذه بها.. عاد ليقبّل وجهها وهو يعصر خصرها بين أصابعه.. تلوّت بألم فرفع كفّه وصفعها بقوّة مجددا.. طار وجهها للجهة الأخرى.. قال من بين أنفاسه: لا أريد أن أسمع همسًا.. شرطُ اليوم إذا أردتِ الحفاظ على نفسكِ، لا أريد أن تبدي أيّ علامات للألم مهما آلمتكِ، لن تحرّكي جسدكِ شبرًا واحدًا.. مفهوم؟
أغمضت عينيها بالإيجاب وهمست مجهدةً: برفقٍ..
ابتسم وهمس: ما الممتع إذا كنتُ سأعاملكِ برفق؟
وقبل أن تنطق، كان يسحب بنطالها بخشونة مبعدا إياه عنها، خلعه عنها بسرعة ورماه بعيدًا، بقيت تحته بملابسها الداخلية فقط.. بدأ يمرّر كفيه على فخذيها.. ثمّ يهوي بضربات سريعة على كتفيها في ذات الوقت الذي كان يقبّل فيه شفتيها بطريقة حنونة.. كانت تتألم ووجهها يحمرّ ولكنها لا تتحرّك وتجاهد كي لا تبدي ألمها الشديد.. قلبها بحركة سريعة على ظهرها وبدأ يقبّل ظهرها ويمرر يده على جسدها كلّه.. ثمّ لفها مجددا لتقابله وخفض بنطاله.. عرفت أنّ اللحظة قد حانت.. انكمشت حين خفض ملابسها الداخلية السّفلية.. انحنى عليها ملتصقًا بها.. غرس نفسه في داخلها وبدأ يحصل على ما يريد بقسوة.. أغمضت عينيها بقوّة وهي تجاهد كي لا تتأوّه.. أجبرت نفسها على التفاعل معه كي تحافظ على نفسها ولفّت يديها حول عنقه وهي تبادله قبلاته وتمسح بكفّيها على كتفيه.. تعرف مالذي يسعده ويريحه ويهدئه وتقوم به.. شعرت به يرفع إحدى يديه ويقبض على شعرها بقوّة.. شهقت بألم.. يده الأخرى تعصر خصرها بعنف وقسوة.. وحركاته تزداد ضراوة.. أفلتت منها آهة منهكة.. أفلت خصرها وصفعها صفعة ثمّ اثنتين ثمّ ثلاثًا.. لم يعطها فرصة فقبّل شفتيها فور أن أنهى صفعاته وعاد ليعبث في جسدها بيده.. بعد فترة.. كان يسحب نفسه قليلا من فوقها ويرفع ملابسها الداخلية إلى مكانها ويرفع بنطاله.. كان لازال قابضًا على شعرها بقوّة، لم يفلته.. نام على جنبه ثمّ سحبها إلى حضنه بقوة وألصقها فيه.. دفن وجهها في كتفه وهو يرخي قبضته عن شعرها ويلفّ يده الأخرى حول خصرها ويدلّكه بنعومة حيث كان يعصره قبل لحظات، ويمسح على شعرها ويعبث به باسترخاء وأنفاسه تهدأ تدريجيًا.. كان يحبّ هذه اللحظات بعد انتهاء متعته.. وتعرف أنه يكون رقيقا خلالها.. يمسح على شعرها ويعبث به ويداعب الأماكن التي آذاها.. كانت تعرف جنونه وتناقضه.. يسترخي حين ينتهي من تعذيبها!!
أغمضت عينيها بإرهاق شديد وأرخت نفسها عليه مضطرة.. دفن هو وجهه في شعرها مستنشقًا رائحته التي يحبها.. قضيا على هذه الحال فترة صامتة.. سحب نفسًا بعد أن شعر أنه هدأ واستراح.. سحبها من كتفها وأجلسها وجلس بجانبها.. جمعت كفّيها في حضنها وأطرقت وهي تشعر بذلّ شنيع.. لم يكن عليها غير الملابس الداخلية والبطانية التي رماها فوق كتفيها بلا إحكام.. وجهها محمرّ بشدّة وجسمها مليء بالكدمات بعد عمليّة التعذيب تلك.. خصرها صار أزرقًا وكتفاها مليئان بالبقع، وكدمات زرقاء تتوزع في جسدها وعلى معصميها.. وحش.. إنه وحش وليس إنسانًا..!
ارتجفت وهي تشعر بنظراته تخترقها.. تأمّل جسدها شبرا شبرا وهي في تلك الحالة.. مرّر يده بخفة على كدمات وجهها.. أغمضت عينيها بانكسار.. مرّرها مجددًا على كدمات كتفيها.. وخصرها وظهرها وفخذها.. دلّك فخذها بكفّه ثمّ قال: هيا.. انهضي واستحمّي..
التفتت إليه.. التقت عيونهما.. شعر بشعور غريبٍ جدًا حين رأى النظرة في عينيها.. المليئة بالانكسار والضعف، والتي يعلم أنها تكرهها..
سحبت نفسها بتثاقل وذهبت إلى الحمام.. تنهّد ونهض هو الآخر.. اغتسل وارتدى ثيابه..
خرجت بعد فترة بعد أن استحمّت وارتدت ثيابًا جديدة وأخفت آثار وجهها عن طريق المكياج.. كان جالسًا في الصّالة يرتشف قهوته وكأنّ شيئا لم يكن.. ضغطت على أسنانها بقهر.. يستعملها وكأنّها أداة.. يتسلى ويؤذيها.. ويتصرف وكأن هذا من حقه.. وكأنّها ملك له!
رفع عينيه الباردتين عليها حين شعر بوجودها.. تحرّكت إلى المطبخ وأحضرت قهوتها وعادت لتجلس بصمت على إحدى كنبات الصّالة.. كانت منكمشة على نفسها.. وفي عينيها نظرة تائهة لاحظها بوضوح..
ساد الصّمت لفترة.. كلّ منهما منشغل بهاتفه وبقهوته.. رفع عينيه عليها حين سمع صوتها هامسًا..: يوسف..
حدّقت به لثوان ثمّ خفضت عينيها للكوب.. قالت بصوتٍ مهزوز متردّد: إلى متى سيستمرّ هذا؟؟
قطّب حاجبيه: ماهو؟
قالت بتعب: استعمالك لي.
قال بجدّية: إذا كنتِ تعتقدين أنّه سينتهي، فأنصحكِ أن تقطعي الأمل ولا تكذبي على نفسكِ.. أنتِ ملكٌ لي، الآن، وإلى الأبد! ومن المضحك أن تعتقدي أن هذا قابل للنقاش.
سحبت نفسًا عميقا.. حاولت أن تستجمع جرأتها.. قالت بهدوء: أليست لديك حياة تريد أن تعيشها؟ ألا تريد أن تتزوّج وتنشئ عائلة؟ أليس من المنطقيّ أن تصل إلى نقطة تريد فيها التخلًّص مني؟؟
احتدّت نظراته وأظلم وجهه وقال بجدّية: أبدًا! أبدًا يا منال!! ولا تفكّري بالأمر حتى مرة أخرى!
قالت بصوتٍ مخنوق..: لكنني تعبت..
حدّق بها لثوانٍ.. هدأ قليلًا.. قال بهدوء: اقبلي حياتكِ كما هي يا منال.. هل تفهمين؟
زفرت.. وضعت كوب القهوة على الطاولة أمامها.. نظرت إليه وقالت بجدية: يمكنك تعويض حاجاتك بطريقة أخرى.. ليس عن طريقي.
فرك كفّيه ببعضهما وصرّ على أسنانه..كان عليه أن يغلق هذا الموضوع بطريقة قاسية لأنّه محرّم.. ولأنه ليس عليها أن تعتقد أنه سيتركها يومًا ما!
جمّد وجهه.. قال بجفاء: لا تظنّي يا منال، أنكِ ستتخلصين مني يومًا ما.. أنكِ ستخرجين عن سيطرتي بأيّ شكل، اللحظة الوحيدة التي سأترككِ فيها ستكون عندما تموتين يا منال! هل تفهمين؟؟
: جميل.. اقتلني إذا!
لم يكن يطيق الموت ولا الكلام عنه.. قال بحدّة: توقفي عن هذا الهراء.. تحرّكي لنذهب.. هيا..
نهض وأشار لها.. أغمضت عينيها وسحبت نفسًا عميقًا ثمّ نهضت وتحرّكت وراءه.. سارت خلفه، وصلا لباب الكوخ، التفت عليها بشكل مفاجئ، انتفضت وتراجعت خطوة لا إراديًا.. واجهها.. أغمضت عينيها برعب حين مدّ يديه باتّجاهها.. كان يستمتع بخوفها وفزعها هذا منه.. يستمتع كثيرًا برؤيتها مرتعبة وخائفة ومرتجفة.. وفي الوقت نفسه.. يتألّم!! مشاعر متناقضة بشكل مرعب كانت تصيبه بالجنون!
فتحت عينيها ببطء حين شعرت بكفّيه على كتفيها.. حدّق بعينيها مباشرة.. شعرت بعينيها تتعلّقان بعينيه كالمغناطيس..
قال بجدّية تامّة ويداه تشدّان على كتفيها تدريجيًا ليبدأ بإيلامها ألمًا يزيد مع الوقت: هذا الكلام يا منال، لن أسمعه مرة أخرى.. مطلقا.. أنا أحذّرك.. لن أكون متسامحًا في المرة القادمة.. اعتبريني المكان الوحيد الذي تملكينه.. الوطن، البيت، مهما كان اسمه.. أنا.. وأنا فقط يا منال..
قطّبت حاجبيها حين ازداد عليها الألم.. سحبت نفسًا وهي تحاول ألّا تتأوّه.. كلامه كان مزعجًا.. ولكنّها لم تنطق بحرف.. زاد ضغطه عليها بشدّة مفاجئة وغمغم من بين أسنانه: مفهوم؟؟؟
أغمضت عينينها بالإيجاب وهي تتنفّس بسرعة، زاد ضغطه وقال بحدّة: أريد أن أسمعها!!
قالت بصوت تجاهد كي تجعله ثابتًا: فهمت..
أفلتها فورًا.. دلّك على كتفيها بنعومة ثمّ خفض إحدى كفّيه ليحتضن كفّها بإحكام.. سار وسارت خلفه بصمت ويدُها في يده.. سارا مسافة لا بأس بها حيث أمر بإبعاد سيّارته بعيدًا عن موضع الرمال.. كانت يدها غائصة في يده.. كان يمسكها بلطف على عكس عادته.. وصلا إلى السيّارة.. سار معها حتى بابها.. فتحه وهو لازال يمسك بيدها.. ساعدها على الصّعود ثمّ أغلق الباب خلفها حين جلست.. شعرت وكأنّه يدعم كلامه حول كونها ملكه.. لقد أوصلها إلى مكانها وأغلق عليها ثمّ أفلتها.. إنّه يثبت لها سيطرته التامّة!!
أسندت رأسها على الكرسيّ خلفها بتعب.. التفّ حول السيّارة وركب في مكانه.. أدار المفتاح وانطلق.. كان الطريق طويلًا.. سادت فترة طويلة من الصمت التامّ.. شعرت بأنّها تختنق.. قالت بتردد: أممم.. سأفتح النافذة؟
كان عليها أن تستأذنه حتى في أبسط وأتفه الأمور..
قال بهدوء: لا بأس..
فتحت النافذة واستنشقت الهواء بعمق وهي تحاول إنعاش أنفاسها المكتومة.. وصلها صوتُه: أخرجي سيجارة وأشعليها..
تنهّدت.. قالت بضيق: ألا يمكنك أن تؤجّله حتى نصل..؟
التفت إليها بنظرة حادة.. انتفضت من نظرته.. يكره النقاش.. هي تعرف هذا.. لامت نفسها على اعتراضها.. قالت بخوف: حسنًا.. حسنًا..
فتحت الدرج المقابل لها لتخرج العلبة والولاعة، استغربت حين شعرت به يلفّ السيّارة بعنف ليقف على جانب الطريق.. التفت إليها وقال بحدّة وهو يراها تناوله السيجارة المشتعلة: أشعلي أخرى..
قطّبت حاجبيها بعدم فهم فأتبع بصرامة: حالًا!
لم تفهم ماذا يريد تحديدا.. أخرجت سيجارة أخرى وأشعلتها.. مدّتها له.. تجاهلها وسحب نفسًا عميقًا من سيجارته التي في يده.. نفخه في الهواء.. نظر إليها وقال وعلى وجهه ملامح خبيثة: أغلقي النافذة..
تغيّر وجهها بقهر.. لا مانع لديه في فتح النافذة، ولكنه يريدها أن تغلقها الآن لأنه يعرف كم تكره رائحة الدخان! يريد أن يكتمها!!
ابتسم بتسلية وهو يتأمّل تغيّرات ملامحها.. انزعجت من ابتسامته وأغلقت النافذة بصمت.. سحب نفسًا آخر من سيجارته ثمّ قال ونظرة التسلية لاتزال على وجهه: هيّا.. السيجارة الثانية لكِ!
امتقع وجهها وقالت بصدمة: ماذا؟؟
رفع حاجبيه وقال ببرود: كلامي واضح.. السيجارة في يدكِ لكِ.. لن نتحرّك حتى تنهيها..
..: لست جادًا!!
قطّب حاجبيه وقال بحدّة: منذ متى وأنا أمزح معكِ؟؟
أغمضت عينيها بتعب.. أولا، يتسلى، يتحكّم و يعبث ويلعب! وثانيًا، يعاقبها على معارضتها، على طلبها لحقّ بسيط لها كهواء نظيف!!
سحبت نفسًا وفتحت عينيها وقالت بصوتٍ ضعيف: من فضلك.. لا أريد.. أنا آسفة بشأن نقا....
التفّ قليلا لجهتها وأسند رأسه على ظهر المقعد باسترخاء وقاطعها ببرود: بسرعة.. الآن وفورًا يا منال..
كان وجهها قد بدأ يصفر وأنفاسها تضيق من الدخان الذي عبّأ السيارة.. نظرت إليه باستعطاف.. رفع حاجبيه بتسلية.. زفرت بيأس ورفعت السيجارة بيد مرتجفة إلى شفتيها.. سحبت نفسًا قصيرًا ثمّ أخذت تسعل بعنف وهي تضع المنديل فوق شفتيها..
سحب نفسًا من سيجارته واستمرّ يحدقّ بها وكأنه يشاهد فيلمًا.. سحبت أنفاسها بصعوبة واستمرّت بتدخين السيجارة حتى استهلكت أغلبها.. نظر إليها بعد أن كان ملتهيًا بالهاتف.. كانت عيونها حمراء وتتنفس بالكاد.. يدها تنتفض بشدّة ووجهها مظلم.. وعيونها مكسورة..
اعتدل في جلسته وفتح النوافذ.. سحبت نفسًا عميقًا مقرّبة رأسها من النافذة.. التفتت على صوته: ناوليني السيجارة..
شعرت بالراحة.. لن يجبرها على إكمالها للنهاية لأنها تشعر وكأنها ستموت.. تناول منها السيجارة.. شهقت بفزع حين قبض على عضدها بقوة وشدّها إليه بعنف.. انكمشت وأغمضت عينيها بفزع، لحظات وكان يرفع كمّها القصير ويثبّتها بقوّة شادا قبضته عليها، ثمّ يطفئ السيجارة بكلّ برود فوق لحمها!!!
زاغت عيناها وتشوّشت الرؤية أمامها وصرخت بصوتٍ جاهدت كي تكتمه.
شدها أكثر وهي تحاول الإفلات منه بجنون.. لم يرفع السيجارة عنها حتى انطفأت تماما، ثمّ أفلتها ودفعها بخشونة واشمئزاز إلى مقعدها.. وضعت يدها مكان الجرح وانكمشت مكانها بألمٍ شديد وهي تضغط على أسنانها محاولة ألا تتأوه..
أدار المفتاح وحرّك السيارة بلامبالاة وكأنه لم يفعل شيئا! رغم أنّه لاحظ جيّدأ جبينها المندى وملامحها المصفرّة والإرهاق الواضح عليها.. لقد أحرقها!
مرّت فترة صمت.. كانت منكمشة في مكانها لا تتحرّك.. أنفاسها حادّة وتحاول التماسك فقط.. وهو يحدُّق في الطريق بشرود.. قال بصوتٍ جامد: درس صغير يا منال.. تذكري ما أريده منك! الطاعة العمياء! العمياء يا منال! لا أريد نقاشا أو اعتراضات! أنتِ لعبتي الصغيرة التي تبقى بانتظار أوامري، وتجلس حيث أضعها دون حركة حتى لو بقيت طوال حياتها! هل هذا مفهوم؟؟؟
ضغطت على أسنانها.. كرّر بصوتٍ احتدّ قليلا: مفهوم؟
لم يكن أمامها خيار.. هذا الوحش المرعب يسيّرها.. لقد رباها على ذلك.. رباها على الخوف منه.. رباها على طاعته بلا تفكير.. رباها على أنّها ملك له!
: مفهوم..
أطلق نفسا مرتاحا.. خضوعها هذا يرضيه بشكل أو بآخر! صمتا.. استمرّ في عمله كمدخنة متحرّكة طوال الطريق غير مبالٍ بها.. وهي كانت تتأمّل الطريق بصمتٍ.. لقد عوّدها هذا الوحش البارد على ساعات الصمت الطويلة خلال حياتها.. أوقات طويلة قضياها معًا دون أن يأّذن لها بحرفٍ أو حركة.. يحبّ الصّمت.. ويكره الوحدة، وعليها هي أن تتحمّل ضريبة ذلك! ضريبة تفضيلاته الشخصية!
اقتربا من منطقة المنزل.. توقّف أمام إحدى الصيدليات.. نزل وأقفل السيّارة عليها.. تنهّدت.. يؤذي ويداوي.. تعرف أنه سيحضر شيئًا لأجل ما فعله بها..
عاد بعد دقائق حاملًا كيسًا.. ألقاه في حضنها دون أن ينظر إليها أو يقول شيئًا.. حرّك السيارة مجددا حتى توقّف أمام المنزل.. قال بصوته البارد: ضعي من المرهم على جرحكِ وضمّديه.. انزلي..
تنهّدت.. هي لا تخالف أمرًا كهذا.. لأنها تعرف أنه سيغضب بشكل مجنون.. وكأنه لم يتسبب بهذا الأذى من الأساس.. سحبت الكيس ونزلت من السيارة.. راقبها حتى دخلت.. وحتى وقف الحرّاس قريبًا كعادتهم.. البيت مراقب دائما.. يستحيل أن تخطو خطوة دون علمه..
حرّك السيارة ذاهبًا إلى عمله.. دخلت هي المنزل بإرهاق.. سمحت لنفسها بالإنهيار على أقرب كنبة بعد أن أحضرت كيسًا من الثلج.. تأمّلت الحرق بيأس.. كان مؤلما بحيث احتاجت للتأوه.. ولكنّها تعلمت كيف تسيطر على ألمها.. برّدت الحرق ثمّ وضعت عليه من المرهم الذي أحضره لها.. لفّته بالشّاش الذي أحضره كذلك ثمّ نهضت.. بدّلت ثيابها بتيشيرت وشورت خفيف ثم بدأت أعمالها الروتينية.. التنظيف والترتيب الدقيق.. إنه يستطيع أن يوفر خدما بكل سهولة، لكنه كما يحب أن يقول "يفضل أن لايلمس أحد أغراضه سواها"..
غرفته ودواليبه وحمّامه.. التأكّد من أن كلّ شيء في المنزل تفوح منه رائحة عطرة.. ملابسه التي تنظّف وتُكوى وتجهّز.. انتهت من كامل المنزل بعد أن أنهكت.. كانت تريد أن تذاكر ولكنّ طاقتها فرغت.. منحت نفسها بعض الراحة والترفيه والاسترخاء كي لا تنهار..
حلّ المساء.. وصلتها رسالة على هاتفها: أريد رؤيتكِ بفستانٍ أسود هذا المساء..
أغمضت عينيها بيأس.. تنتظرها ليلة طويلة كما يبدو.. جرّت نفسها لتستحمّ.. جددت المرهم والشاش على جرحها.. فتحت الدولاب وارتدت فستانًا يفضّله.. قصير وخفيف ويظهر أكثر مما يستر.. عطّرت نفسها.. انتظرته كعادتها في الصالة مشغلة نفسها بالمذاكرة..
تأخّر قليلا.. ولكنها سمعت صوت المفتاح يدور في القفل في نهاية الأمر.. وضعت كتابها ونهضت وهي تسحب نفسا عميقا محاولة إبعاد الضيق عن وجهها.. لا يمكنها التنبؤ بمزاجه.. أحيانا حين تقابله بوجه عابس وهو في مزاج سيء فإنها مباشرة تتلقى صفعات تجعلها لا تستطيع التعرف على نفسها أسبوعا!
اتّجهت إلى المدخل.. كان يلقي مفاتيحه على الطاولة.. تقدّمت منه وقالت بصوتٍ هادئ: أهلا بك..
حدّق بها.. استند بذراعه الممدودة على الجدار المجاور له وتأمّلها ببرود.. مسحتها نظراته من الأعلى للأسفل.. فستان أسود خفيف معلّق بكتفيها بحبلين رفيعين.. يغطي فخذيها حتى المنتصف، بلا ظهر.. ويكشف خاصرتيها.. ثبّت عيونه قليلا على الشاش فوق عضدها.. لذيذة.. مطرقة.. ضعيفة.. شهيّة!! لم تعرف إن كان راضيا أم لا.. ولكنّه لا يبدو منزعجًا.. في عينيه شيء غريب.. شيء يخيفها. قالت بتوتّر وهي تتقدم منه: هل أنت متعب؟ -مدّت يديها وخلعت سترته بنعومة ثمّ عادت أمامه- ماذا تشرب؟
لم يجب.. أغمض عينيه واقترب منها وطبع قبلته على شفتيها.. بادلته قبلته فانزلقت كفّاه إلى ظهرها وخصرها تتحسّسان.. لفّت ذراعيها حول خصره كما يحبّ.. تحرك وهو يسحبها معه مستغرقا في تقبيلها وتلمّسها.. كان رقيقا.. لم يؤلمها وهذا جعلها تتعجّب.. جرّها معه غارقا بها.. وصلا إلى السّرير.. توقّعت أن يمزّق فستانها بعنف كعادته.. ولكنّه أبعد شفتيه عنها ثمّ مدّ كفّيه وسحب حبلي الفستان عن كتفيها لينزلق بسلاسة ساقطا للأرض.. كانا يقفان أمام السّرير.. تجاوبت معه بسرعة وبدأت تفكّ أزرار قميصه بينما كان يقبّل رقبتها وكتفيها بحرارة دافئة.. وهدوء حميميّ..
سحبت القميص عنه فألقاه بعيدًا.. شعرت به يحيطها بذراعيه من وسطها ويلصقها به.. قبّل شفتيها بتلذذ.. ابتعد مسافة خفيفة وهو محافظ على قرب وجهيهما.. قال بهمس: كيف تكونين شهيّة لهذه الدرجة؟؟
انكمشت.. استمرّ في مداعباته ثمّ سحبها بلطف إلى السرير وانحنى فوقها.. كان هادئا ورقيقا على غير عادته.. وبطيئا.. كان يتلذذ بكل لحظة قبل أن يحصل على مايريد.. وتفاعلت هي معه بشكل أفضل بكثير من الأيام التي يكون فيها عنيفا.. وهذا أرضاه..
بعد مضي وقت ليس بالقصير.. رفع ملابسها الداخلية إلى مكانها.. وملابسه.. أسند رأسه على كتفها ونام..
_
أفاق صباحًا.. فتح عينيه ببطء شاعرا بالاسترخاء.. تأملها بوجهها الأصفر الذابل المتعب وعينيها المغمضتين.. سحب نفسه من فوقها واستلقى بجوارها ورمى فوقهما البطانية.. فتحت عيونها بتعب على حركته.. كان مستلقيًا على ظهره يحدق في السقف.. التفت إليها برأسه حين شعر بها.. تنهّدت بتعب.. أغمضت عينيها وسحبت البطانية التي كانت مكشوفة جزئيًا عنها..
تنهّد.. نام على جنبه وأسند كوعه على السرير وأسند رأسه على كفّه.. مرّر كفّه الأخرى على وجنتها بنعومة وقال بهدوء: كان هذا كثيرًا عليكِ..
لم يكن من عادته الحديث إليها في الصباح.. في كلّ مرة يبعدها عنه وينهض بلا أدنى اهتمام.. وكأنها ليست موجودة أصلا.. ولكن.. يبدو أنّه شعر بمبالغته.. مرّتان في يومٍ واحد..
سحبت نفسها بتعب وهمست: سأذهب للحمام..
راقبها حتى اختفت.. زفر ونهض هو الآخر.. إجازة آخر الأسبوع.. لن تذهب إلى الجامعة، ولن يذهب إلى العمل.. ويوقن هو جيّدا أنّ هذين هما أسوأ يومين بالنسبة لها خلال الأسبوع.. تحتكّ به أكثر.. تتعرض لجنونه أكثر وأكثر..
نهض إلى حمامه.. استحمّ وارتدى ثيابًا خفيفة.. لم ينادها وأنهى أمر الحقنة لوحده.. خرج ليجد قهوته جاهزة.. كالعادة، في أيام الإجازة تكون في الصالة، في أيام العمل تكون في المطبخ..
جلس باسترخاء على الكنبة.. ناداها بصوتٍ بارد: منال..
لحظات وكانت أمامه.. تأمّلها.. شورت رماديّ قصير، ومن الأعلى بلوزة خفيفة بلا أكمام سوى خيطين رفيعين على كتفيها بلونٍ أخضر..
فركت كفّيها ببعضهما وقالت باضطراب لتقطع تأمّله الطويل لجسدها: هل تريد شيئًا؟ الحقنة؟
قال بهدوء: لا.. حضّري طعامًا لكِ.. أفطري..
تغيّر وجهها واعترضت ببعض الخوف: ولكني.. بطني يؤلمني..
قطّب حاجبيه..: مالذي يؤلمك تحديدا؟
: معدتي.
تنهّد..: حسنًا.. اجلسي..
سكتت.. جلست في كنبة معامدة، لا تجلس بجواره مادام لم يُشر لها.. تفهم ما يريد جيدا..
نهض.. قطبت حاجبيها.. إذا لم يكن سيجلس فلماذا يبقيها هنا؟ لم تعترض ولم تسأل.. سحبت كتابًا تبقيه في الصالة وأشغلت نفسها بقراءته.. كانت تشعر بذهنها صافيًا وببعض النشاط بعد أن استحمّت.. ونفسيّتها أفضل بعض الشيء..
عاد بعد فترة.. رفعت عينيها عن الكتاب على صوت حركته.. قطّبت حاجبيها بصدمة كبيرة حين رأت في يده صينية فوقها طبقٌ من الزبادي المخلوط بالفواكه الطازجة، كوب ماء وكبسولتا دواء..
سحب منضدة ووضعها أمامها ووضع الصينية فوقها.. قال بلهجة أمر هادئة: كُلي هذا ثمّ اشربي الدواء..
حدّقت في الصّينية ثمّ رفعت عينيها إليه.. هل هذا طبيعي؟ هل هو منطقي؟ هل هي تحلم؟ إذا كان قد أعدّه لنفسه في وجودها فهذه صدمة هائلة، فكيف وقد أعده لها!
قال بحدّة خفيفة: مفهوم؟
خرجت من ذهولها: حسنًا..
أخذت الصحن وبدأت تأكل بهدوء.. فكّرت، إنه يحافظ على صحّة مصدر تسليته.. هذا ليس غريبًا.. ولكنها ليست عادته.. مهما حصل لها، هو لا يقوم بخدمتها هكذا! ربّما قرصه ضميره بسبب استبداده بالأمس.. ابتسمت داخل نفسها بسخرية.. هذا الرجل ليس له ضميرٌ أصلأ.. إنه قاس عديم الشعور والإحساس.. لا يمكنه تمييز المشاعر!
راقبها وهي شاردة تعبث باللبن بملعقتها بعينين ضائعتين.. فكّر.. متى آخر مرة رآها تبتسم، مستثنيا ابتسامات الاستهزاء. إنه حقًا لا يذكر! لا يذكر على الإطلاق!! هذه الملامح التائهة تلازمها.. يشعر بأن عينيها خاويتان من الحياة.. وليست مُلامة على ذلك!
إن عدوى اللاابتسامة هذه مأخوذة منه.. لقد تربّت على يديه، وأمام وجهه المقطب هذا، لم تره يبتسم، ولم يفعل شيئا قد يدعوها للابتسامة.. لقد حبسها في هذه الدوامة الكئيبة طوال حياتها..
سحب نفسًا منزعجًا.. لاحظ لون أطرافها الباهت وانكماشها على نفسها ورجفتها الخفيفة.. درجة الحرارة منخفضة جدًا في الخارج، والمكيّف أيضا يعمل مبرّدا المكان، وملابسها خفيفة جدًا!
إن أحد القوانين الغريبة التي عودها عليها هي أنّها سترتدي دائما ملابس من هذا الطراز.. خفيفة وعارية! لا يسمح لها أن تتدفّأ إلا إذا أذن هو!
لاحظ أنها ارتعشت ثمّ انكمشت أكثر.. قال بجدّية: منال!
رفعت عينيها عليه.. استرخى قليلا في جلسته محاولا إظهار لا مبالاته.. وضع ساقًا فوق ساق وأسند ذراعه على يد الكنبة بينما يمرّر كفّه على ذقنه بتفكير..: مادمتِ تشعرين بالبرد، لماذا لا تقولين شيئًا!
بلعت ريقها.. هي لا تحبّ هذه الأمور.. لا تحب أن تستأذنه كي تقوم بحقّ بشريّ مثل التدفؤ!
قالت بصوتٍ هادئ: لا أشعر بالبرد..
رفع حاجبيه.. ظهر الضيق على وجهه.. قال بصوتٍ منذر بالشرّ: لا تستفزيني يا منال.. لستُ أعمى ولستُ أبله!
سحبت نفسًا واعتدلت في جلستها قليلا.. وضعت الملعقة على الصّحن وقالت بتعب: هذا قد يُغضبك.. أنا لم أستطع استنتاج مزاجك حتى الآن.. ولا طاقة لي بتحمّل غضبك الآن..
سكت.. للأسف، معها حق.. مرّت لحظات صمت.. إنّه يفكّر.. هي معتادة على صمته هذا.. قال بهدوء: انهضي وارتدي شيئًا يدفّئك..
تنهّدت.. وضعت الصينية على المنضدة ونهضت.. عادت بعد فترة ببيجامة ثقيلة.. شعرت براحة كبيرة بعد أن تدفّأت لأنها كانت تعاني بشكل فعليّ..
جلست مرة أخرى بصمت.. انشغلت بكتابها وانشغل هو بأجهزته.. مرّت عدة ساعات.. نهض مغلقا حاسبه المحمول.. التفت إليها..: منال..
رفعت عينيها عليه فورًا.. قال بهدوء: سأخرج لأنهي بعض الأعمال.. هل تريدين الذهاب إلى مكان ما؟
قالت بهدوء مماثل: أنا بحاجة لبعض الأغراض..
سكت.. فكّر قليلا ثمّ قال: حسنًا.. اسمعي.. اذهبي حيث تريدين، سيرافقك بعض رجالي.. افعلي ما تشائين، المهمّ أن تكوني هنا قبل الحادية عشر.. مفهوم؟
تنهّدت. وقت مفتوح! هذا كرم ليس من عادته.. إنه ليس طبيعيا هذا اليوم!
قالت باستسلام: نعم..
حدّق بها للحظات: جيّد.. كوني حذرة..
لم ينتظر جوابها وتحرّك إلى غرفته.. نهضت هي الأخرى لتبدّل ثيابها.. خرجت من غرفتها فور أن سمعت صوت بابه بعد فترة.. التقيا في الصالة..
: هل تريدُ شيئًا قبل أن تذهب؟
مسحها بنظرة سريعة..: لا..
تحرّك إلى الباب، خرج من المنزل.. أطلقت نفسها المحبوس.. أخيرا.. القليل من الحريّة!
تجهّزت وخرجت من المنزل.. تقدّم لها الحارس الذي يلازمها أينما ذهبت.. قالت ببعض الحدّة: سأذهب سيرًا..
سكت وتراجع.. وضعت السماعات في أذنيها وذهبت إلى المكتبة.. ابتاعت بعض الأغراض ثمّ ذهبت إلى الشاطئ ثمّ إلى أحد المقاهي.. ذهبت إلى النادي أخيرا ثمّ عادت بعد العاشرة بقليل..
دخلت المنزل.. لم يكن قد عاد بعد.. استحمّت وارتدت بيجامة.... انشغلت بالترتيب.. سمعت صوت الباب بينما كانت تقف أمام كومة من ملابسه، ترتّبها وتعلّقها في الدولاب..
لم تذهب لاستقباله، أيام العمل هي التي يكون بحاجة لاستقبال وخدمة فيها..
فترة قصيرة ودخل إلى الغرفة.. نظر إليها.. كانت منشغلة بتزرير أحد قمصانه المفرود على السرير بعد أن قامت بكيّه..
التفتت على صوت حركته.. قال وهو منشغل بإخراج بيجامة من أحد الأدراج: متى عدتِ؟
قطّبت حاجبيها.. رجاله خلفها طوال الوقت.. إنه يعرف تفاصيل حركتها بالثانية الواحدة! لماذا يسأل!
قالت بضيق: أنت تعرف متى عدتُ!
التفت إليها ممسكًا بالبيجامة، قال بصوتٍ يميل إلى الحدّة: أجيبي على قدر سؤالي!
سكتت لحظات.. قالت من بين أسنانها: العاشرة تقريبًا..
: ماذا فعلتِ؟
سحبت نفسًا.. عادت إلى عملها محاولة تفريغ انزعاجها على القميص: ذهبت إلى المكتبة.. والنادي..
لم تجد إجابة.. رفعت رأسها حين شعرت بقربه الكبير منها.. كان يقف أمامها مباشرة.. قال بانزعاجٍ واضح: لماذا لا تبتسمين أبدًا؟
قطبت حاجبيها بتفاجؤ.. ما هذا السؤال؟ فركت كفّيها وقالت ببرود: إذا وجدت شيئًا يدعو للابتسامة، استعمله كي تبتسم ثم أخبرني عنه..
سكت.. ذهب إلى الحمام ولم يجبها.. تنهّدت وتابعت عملها.. انتهت وخرجت إلى الصالة.. قطّبت حاجبيها حين سمعت صوت جرس الباب.. هذا ليس معتادًا! لا يأتي الزّوار إلى هذا البيت!
لم تفتح متوقّعة مجيئه ولكنّه تأخر وعاد الجرس ليرنّ بإلحاح.. تنهّدت ونهضت.. فتحت الباب، تغيّر وجهها فورًا حين رأت شخصًا لا تعرفه إلا من الصور والتلفاز! ومن لقاء واحد سابق سيء جدا.. إنّه والدُه!
قالت بجمود: ماذا تريد؟
: أين يوسف؟
: سأناديه..
قالت ذلك ودخلت مغلقة الباب في وجهه! قطّب حاجبيه منزعجًا من تلك الوقاحة ودفع الباب داخلًا.. كانت هي قد ذهبت إلى الغرفة وهي تلعن نفسها لأنها فتحت الباب وتسببت بالمصائب لنفسها، متخيلة ردة فعله حين تقول له أن والده أمام باب البيت!
خرج من الحمام مع دخولها للغرفة مرتديًا تيشيرت وبنطالًا قطنيًا وهو يجفف شعره بمنشفة صغيرة..
قالت بتوتّر: ألم تسمع الجرس؟
قطّب حاجبيه: الجرس؟ هل جاء أحد؟
سحبت نفسًا: لقد... والدك أمام الباب!
اتّسعت عيناه.. حدّق بها للحظات وصار لونه قاتمًا.. قال من بين أسنانه: إياكِ أن تخرجي من هنا!!
خرج فورًا.. شعر بصدمة حين رأى والده جالسًا في الصالة واضعًا ساقًا فوق ساق! قال من بين أسنانه: كيف تدخل المنزل دون إذن؟
قال بحدّة: ماذا؟ هل عليّ أن أستأذن لدخول بيتك بينما تدخل بيتي وقتما شئت؟
كان يشعر بدوار وغثيان إثر رؤية والده أو حتى إثر التفكير به! ضغط على أسنانه وتحرّك ليجلس مقابله..
كانت على ملامح والده نظرة مشمئزة وهو يقول: لماذا تعابيرك بهذا الشكل دائما؟ أنت بلا قلب ولا شعور، كيف تتعايش مع نفسك؟
حافظ يوسف على نظرته الباردة ولم يغيّرها رغم أنه كان ينفجر من الداخل. تحمحم وقال وهو يسترخي في جلسته..: مالذي جاء بك؟
سكت والده قليلا ثمّ أخرج بعض الأوراق من حقيبته..: طرأت مشكلة على المشروع، أحتاج توقيعك العاجل على بعض الأوراق..
زفر وقال: ألم يكن بإمكانك تأجيل هذا حتى الغد؟
: كلا.. إنه عاجل، كما أنّني لا يمكنني أن أؤمن أحدا على أوراق كهذه سواي..
نظر إليه بملل وهو يلعن هذا المشروع الذي اضطر إلى قبوله بعد أن وضعه أبوه في الأمر الواقع أمام الصحافة.
تناول الأوراق وقرأها بعناية حرفا حرفا.. ابتسم والده بسخرية، إنه لا يثق به مطلقا!
انتهى ووقّع الأوراق وألقاها أمام والده على الطاولة..: يمكنك أن تذهب الآن..
قطّب حاجبيه حين استرخى والده على الكنبة بدل أن ينهض وأخذ يجيل نظره في أرجاء المكان..: لديك بيت جميل.. مضت سنين طويلة على مجيئي الأخير إلى هنا..
قطّب يوسف حاجبيه.. تابع والده ببرود: في اليوم الذي أحضرت فيه ابنة ذلك الحقير إلى منزلك!
قال يوسف بهدوء وهو ينهض: هل علي أن أريك أين الباب؟
استرخى والده أكثر وقال باستفزاز: لازلت أتساءل، لماذا لازالت ابنة ذلك اللعين تعيش عندك؟ أنت تكرهه، ربما يكون كرهه الشيء الوحيد المشترك بيني وبينك.. باستثناء الدم! لماذا تربي ابنته إذا؟ ذلك الرجل القذر الذي.....
قطع حديثه صوتها الحادّ الغاضب وهي قادمة إلى الصّالة، قالت بعصبيّة: ألن تتوقّف عن شتم أبي؟ وفي بيتي؟
تغيّر وجه يوسف، قال بحدّة: منال، إلى الدّاخل فورًا!
تدخّل والده بسرعة متجاهلًا إياه: أحترم وجود ابنة ذلك السافل؟ لماذا تدافعين عنه؟ لقد رماكِ بلا اهتمام عند أكثر من يكرهه وهو يعرف ذلك!
ضغطت على أسنانها ونسيت تحذير يوسف وأجابت بانزعاج: توقّف عن الحديث عنه هكذا!
كانت تعرف أنه محق.. هي ناقمة على أبيها أكثر منه. ولكنها لاتريد أن تسمع أحدا يتكلم عنه بهذه الطريقة، لسبب ما، ولكنها لاتريد.
صرخ يوسف وقد أظلم وجهه: منال!! اغربي من هنا إلى غرفتك فورًا!
انتفضت بسبب صرخته والتفتت إليه، نهض والده وتقدّم وهو يقول: لماذا تجبرها على الدخول؟ أنا أريد أن أتكلم معها! –التفت إليها- والدكِ هذا الذي تدافعين عنه، هل تعرفين مالذي يفعله الآن؟؟
تغير وجهها وظهرت اللهفة عليها، هي لا تعرف أي شيء عن والدها، هذا موضوع محرّم عند يوسف ويمنعها من الحديث فيه، ومن المستحيل أن يعطيها أي معلومات عنه.. هي حتى لا تعرف إن كان حيا أو ميّتا!
كان يوسف في حالة استثنائية من الغضب، لم يره والده هكذا من قبل، ولا تراه منال كثيرًا في هذا الشكل، فغضبه غالبا بارد وثلجيّ وليس ثائرًا هكذا! صرخ ملتفتًا إلى والده: اخرس!! –التفت إليها- وأنتِ، اذهبي من هنا وإلا فإنّكِ ستندمين كثيرا! كثيرا يا منال!!!
لم تستطع الاستماع إليه، وقفت بعناد وقالت لوالده بسرعة: أين؟
فقد يوسف سيطرته على نفسه، قال من بين أسنانه: اسمعني يا هذا، إذا لم تذهب هذه اللحظة، عليك أن تنسى أمر المشروع المشترك الذي تحلم به، هل تفهم؟؟
سكت والده.. قال بهدوء: لا بأس، في المرة القادمة يا عزيزتي.
تحرّك منسحبًا وخرج من المكان.. بعد صوت إغلاق الباب، ساد صمتٌ لحظيّ، التفت خلاله يوسف إليها.. ارتعش كل جسدها بسبب نظرته التي رمقها بها.. بلعت ريقها بتوتّر.. لقد تجاهلت أوامره، عاندته واستفزّته في موضوع حساس جدا كموضوع والده.. إنها تعرف ما نتائج تصرّفات كهذه.. تعرف جيّدا ولكن الغضب أعماها!
تراجعت إلى الخلف خطوة لا إرادية.. لقد عادت إلى طبيعتها.. وعاد خوفها الكبير منه.. التفت بجسده إليها وتحرّك خطوة بصمت مقلصا المسافة بينهما ووجهه يصبح أكثر إخافة!
قالت باضطراب: يوسف.. لا تغضب قبل أن تتفهّم..
لمعت عيناه بالغضب، وسّع خطوته باتّجاهها، لحظات وكان أمامها مباشرة، شهقت بخوف، وقبل أن تتمكّن من اتّخاذ أي إجراء وقائيّ كان يرفع يده بحركة سريعة ويهوي بها على وجنتها.. صفعة حارّة جعلتها تطير وتصدم كتفها بالجدار بقوّة..
![](https://img.wattpad.com/cover/244454403-288-k764006.jpg)
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...