: إلى أين؟
التفت فارس على صوت أبيه فيما كان يرتدي حذاءه.. قال وهو يبدو خاملا بعض الشيء بعد إجهاده النفسي بالأمس: إلى الطبيبة.
تذكر يوسف أنه وقت موعد فارس نهاية كل أسبوع..: أوه.. صحيح.
انزعج يوسف، فمنال لم تطلب منه المجيء معهما، رغم أنهم يذهبون ثلاثتهم عادةً. كما لم تخبره أنهما ذاهبان أصلا. فهي لم تكلمه ولم تنظر في وجهه منذ الصباح.
لقد ركزت كل طاقتها على فارس منذ أفاقا، فأعدت له فطوره ولعبت معه وقضت معه وقتا جزلا. لم تكن نشيطة ولم تكن مرحة، ولاحظ فارس هذا عليها بوضوح، ولكنها كانت مهتمة وحنونة فاكتفى بهذا.
لوح فارس لأبيه: مع السلامة، ماما تنتظرني في السيارة.
ابتسم يوسف ولوح له هو الآخر، وقف أمام النافذة وراقبهما حتى اختفيا.
زفر.. لايعرف ماهي نفسية منال الحالية فهي تحجبه تماما عن كل تواصل، لكن من الواضح أنها ليست في أحسن أمزجتها.
قرر أنه لن يسمح لها بعزله عن حياتها وحياة فارس. خرج متعجلا إلى سيارته وتبعهما ذاهبا إلى العيادة.
عندما وصل كان فارس بالفعل قد دخل مع الطبيبة، وكانت منال في صالة الانتظار الخالية تعبث بهاتفها.
رفعت رأسها عن الهاتف حين سمعت صوت خطوات، قطبت حاجبيها بانزعاج واضح حين رأته.
قال ساخرا: تبدين كمن يرى كابوسا.
تنهدت بتعب.. هل من المستحيل أن ترتاح من هذه الألاعيب الذهنية ولو لساعات؟!
قالت بضيق: إنني أرى كابوسا بالفعل.
امتعض من جوابها.. جلس هو الآخر على كنبة مجاورة لها وقال معاتبا: لا يجب أن تعزليني عما يخص فارس، مهما كانت حالتنا. يجب أن نذهب إلى المواعيد، وكل مايوازيها في الأهمية معا!
لم تنطق ولكن وجهها تغير، لم يفهم لماذا بدا عليها الانزعاج الشديد بعد كلامه، وكأنه قال شيئا سيئا وفظيعا!
قال بحدة: لماذا تنظرين إلي هكذا؟ منذ الأمس وأنتِ تنزعجين من حسن تصرفي مع فارس، لم يعد بإمكاني فهمكِ!
غرست أسنانها في شفتها ولم تجب. أحس بالغيظ، إن رفضها التعاملَ معه كان نوعا من أنواع التعذيب التي نجحت بها نجاحا باهرا.
سكتا لحظات، قال بنبرة أهدأ: لقد التقيتِ بأحمد بالأمس!
: أنت تقول الحقائق المعروفة من جديد. لماذا عندك هذه العادة الغريبة الغبية؟
مرر كفه على سطح أنفه بعصبية.. لم يكن يحب أسلوبها البارد هذا. تساءل أيهما أسوأ، خشونتها وقسوتها أم مقاطعتها الكلية له؟
: عمَّ تكلمتما؟
تذكرت حديثهما بخصوص يوسف، وعن تسببه بترك أحمد لها. قررت أن لا تواجهه بالأمر.
قالت بلا اهتمام: لا شيء مهم.
: هل ر-
قاطعته بنفاد صبر: اذهب يا يوسف. هلا ذهبت؟
سكت لحظات..: لماذا قد أذهب؟ يجب أن يعرف فارس أنني هنا من أجله.
احتد صوتها وقالت وهي تعتدل في جلستها بعصبية: كلا، لايجب أن يعرف. لست أريدك في نفس المكان معي. اذهب ودعني أتصرف كما هي عادتك دائما.
رفع حاجبيه ورمقها ببرود.. هاهي مجددا تتصرف بطريقة غير مفهومة.. لماذا لاتريد لفارس أن يحس بوجوده فيما هي تعرف أن هذا سيريحه ويسعده؟
قال باستفزاز: اذهبي أنتِ إذن.
تسارعت أنفاسها، بعد ثوان من الصمت نهضت بالفعل بخطوات سريعة مغادرة المكان.
اتسعت عيناه بصدمة، لم يتوقع أنها ستذهب فعلا، حين قال لها ذلك قاله لاستفزازها فقط وليوضح لها أنه مصر على البقاء.
قفز خلفها، أمسك ذراعها كي يوقفها وقال باستنكار: إلى أين تذهبين؟ هل جننتِ؟ ماذا سيفعل فارس لو خرج ولم يجدكِ!
سحبت يدها منه بقوة وغمغمت: هذه ليست مشكلتي. لن أبقى إذا بقيتَ!
سحب نفسا عميقا كي يهدأ..: منال، لقد بدأتِ تقلقينني. كيف لاتكون مخاوف فارس "مشكلتكِ"؟
ظهر الحزن على ملامحها لأجزاء من الثانية، لاحظ هو تلك المسحة البائسة جيدا، ولكنها تماسكت بسرعة وقالت بهدوء: كما قلتُ. إنها ليست مشكلتي. إذا ذهبتَ سأبقى، إذا بقيتَ سأذهب. الخيار خيارك.
سكت بغيظ.. لا يريد إجبارها، يمكنه أن يبقيها قسرا، ولكن ذلك لم يكن الوقت الصحيح، فهي ستنفجر. والمزيد من الإجبار يعني مزيدا من حالتها الغريبة هذه وقلة اهتمامها بفارس.
قال بضيق: حسنا.. حسنا.. سأذهب. هلا قلتِ لفارس أنني مررتُ؟
تراجعت عائدة لتجلس الى الأريكة، قالت ببرود: لن أفعل.
صار وجهه أشبه بعلامة استفهام كبيرة بعد هذا الرد، لقد حقق لها ماتريد، وسيذهب، لماذا لن ترغب في إسعاد فارس إذا عرف بمروره واهتمامه؟
تنهد متعبا: كما تشائين.
ترك المكان مهموما، وأحس بالوحدة. إنه يوم العطلة الأسبوعية، ويفترض أن يقضيه مع عائلته، لا وحيدا يجوب الطرقات. وبيأس ذهب إلى العمل حيث قد ينشغل بعض الشيء.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...