١٦

3.9K 73 4
                                    


أوقف يوسف السيارة، قفز فارس على عجل.. قالت منال بحدة وهي تنزل: انتظر، اتفقنا أن نذهب معا كي لا تضيع!
قفز في مكانه بتذمر: لقد تأخرتم!
كان الشاطئ خاصا لكبار الشخصيات.. لم يكن مزدحما لكنه لم يكن خاليا أيضا.. كان نظيفا وفي غاية الاتساع..
تحرك الثلاثة نازلين في اتجاه الشاطئ، مسافة قصيرة وكانوا فوق الأرض الرملية.. بحركة خفيفة أبعد يوسف يد منال عن يد فارس حيث كانا يمسكان بعضهما.. وقال له بهدوء: يمكنك أن تسبقنا إذا أردت..
شهق فارس: حقا؟؟
: بالتأكيد..
انطلق فارس راكضا نحو الشاطئ.. كانت حماسة لم يروها عليه قبل ذلك.. التفتت منال إلى يوسف بانزعاج شديد.. لكنها لم تجرؤ على النطق.. أمسك بكفها وسار متابعا إلى الأمام.. قال ببرود: سنحل موضوع قلقك المبالغ فيه اليوم..
ضغطت على أسنانها ولم تنطق.. راقبت فارس الذي صار أمام البحر مباشرة.. قالت بتوتر حاد: خطوتان إلى الأمام وقد يغرق دون أن نصل إليه حتى!
قال بهدوء: هذا ليس صحيحا.. تعلمي أن تهدأي..
عضت على شفتيها وهي تتابع حركاته بعينيها.. يوسف الذي حول حياتها جحيما بسبب سلوكياته المريضة للحفاظ عليها من الأخطار يعلمها الآن درسا عن التفتح.. هذا ظريف..
لم تنطق وركزت عينيها على فارس بينما يقتربان، كان يبدو مذهولا بمنظر البحر الممتد أمامه وبالموج الذي يضرب قدميه.. وضع يوسف بساطا على الأرض ونثر عليه الوسائد وجلس ساحبا منال معه على الأرض.. تنهدت وقالت بهدوء: نحن بعيدان عنه..
قال ببرود: لا عليكِ..
قالت برجاء وهي تنهض: سأتحرك للأمام قليلا فقط..
قطب حاجبيه وقبض على معصمها وسحبها جانبه مغمغما: اجلسي حالا..
عضت على شفتها وجلست.. لم تكن تجرؤ على المعارضة أكثر..
تقدم فارس خطوة للأمام باتجاه البحر.. كانت على وشك تحذيره.. قال يوسف بحدة: اخرسي يا منال.. اتركيه وشأنه..
أغمضت عينيها محاولة ألا تنفجر.. قالت من بين أسنانها: لقد جعلتني أعيش سنوات مراقبةً، لا أسير في الشوارع دون مراقبة ولا أهمل لك مكالمة ولا أذهب لأي مكان وحيدة، كل هذا لأنك مهووس بالحماية، حولتني إلى مخلوق يرتعب من التجارب، والآن، الآن تخبرني كيف أعامل ابني؟؟
سكتت وهي تتنفس بحدة، توقعت أن يكسر معصمها تعويضا عن عدم قدرته الآن على صفعها.. قال بجدية: هل أريد تمرير هذه الأمراض عبر الأجيال؟ يكفي أن نمرض أنا وأنتِ ولا داعي ليكون ابننا مجنونا كذلك! دعيه يستكشف دون أن تشعريه بالخوف أو القلق! نحن نراقبه، ورجال الإنقاذ، وعدة موظفين لي في المكان كما تعرفين، فاطمئني! فهمتِ؟ إنني أرتعب لأجله مثلكِ ولكن كل مافي الأمر أني أحاول إبقاء فمي مغلقا!
حدقت به لحظات.. قالت بهدوء: هل تقول لي أن كل هذه الضوضاء التي تصنعها سببها خوفك على فارس؟ منذ متى تبالي به؟
لم يعجبه السؤال.. حك ذقنه ثم مال عليها.. قبل شفتيها قبلة عميقة.. انكمشت.. منذ ساعات فقط كانا قد فرغا.. ماهي هذه الرغبة التي لا تنتهي؟
مرر كفه على خدها.. ابتعد عنها وهمس: بالنسبة لما تفكرين به، أنا لا أشبع منكِ..
تنهدت.. كان فارس يلعب مع أطفال آخرين بالطين، يقفزون في كل مكان ويلاحقون بعضهم البعض..
قال يوسف بهدوء: استرخِ.. يوجد شيء أريد الحديث معكِ بشأنه..
قطبت حاجبيها.. هذه لم تكن يوما مقدمة لشيء جيد..: ماذا؟
تأملها لحظات.. سكت.. سحب الحقيبة التي أحضراها معهما وأخرج مرطب تسمير البشرة.. قال بابتسامة مائلة: مارأيكِ؟
قطبت حاجبيها بضيق شديد.. وعادت إلى ذهنها ذكرى تكرهها..

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن