٦٦

1.2K 52 4
                                    

حاولت أن تسترخي بعد ذلك النهار الحافل.. كان البيت خاليا، فيوسف ذهب ليحضر فارس من النادي، وهي عادت على أمل أن تهدأ..
كانت أفضل حالا.. بل كانت مرتاحة إلى حد ما.. فقضاؤها الوقت مع أبيها جعلها تتحسن.. أقنعت نفسها أن حالته كانت شيئا عارضا، وأنه سيكون بصحة جيدة فور اهتمامه بنفسه. مررت كفها على رأس بندق تداعبه.. كانت جالسة على الأريكة بجانب النافذة، وبندق جالس بجانبها مكوّرا جسده ليلاصقها.. ابتسمت وهي تتأمله، إنه ذكي، فهو يلتمس عاطفتها في غياب يوسف وفارس، ولكنه ينساها تماما في وجودهما، فهما اللذان منحاه الاهتمام منذ اللحظة الأولى لمجيئه. ولكن المضحك بالنسبة لها أن يوسف كان المفضل عنده، يهمل بندق كل شيء عند دخول يوسف ليقفز حول ساقيه مرحبا به، وكأنه يغيظها، ليثبت لها أن يوسف سيكون دائما المنتصر، الحاصل على كل شيء.

سمعت صوت الباب، لقد عادا إذن.. قفز بندق فعلا مسرعا ليرحب بهما.. دخل فارس بعد أن لاعبه متوجها إليها.. تنهدت بأسف حين رأت ملامحه.. لم يكن في حال سيئ، ولكنه لم يكن في حال حسن. وكأن أحداث الأيام الأخيرة، واضطراب علاقتهما قد استهلكاه.
ابتسمت له، قبلت وجنته ثم سحبته إلى حضنها.. قالت وهي تعبث بشعره: كيف كان يومك؟ اشتقت لك كثيرا!
ابتسم فارس مرتاحا بعض الشيء لهذه العاطفة التي كان بحاجة لها.. أخذ يثرثر لها عن أحداث يومه، استمعت له بتركيز، وقبلته بين الفينة والأخرى، حريصة على أن تغرقه بالحنان الذي كان معتادا عليه منها قبل كل هذه الفوضى.
راقبهما يوسف بصمت وهو يعبث مع بندق.. محاولا أن يقرأ مزاج منال بعد ماحصل اليوم. قطعت أفكاره حين قال فارس برجاء لمنال: هلا ذهبنا إلى الملعب ماما؟ إنه وقت نزهة بندق. قال بابا أنه سيأتي كذلك.
ابتسمت منال: بالطبع، يمكنك الذهاب.
قال فارس بكآبة..: أردتكِ أن تأتي معنا.. ولكن.. -اضطرب محاولا أن لا يثقل عليها- حسنا.. لا بأس.

تنهدت منال.. إن فارس يخاف من الإثقال عليها لأنه يحس أنها ستمل منه وتتركه، وكذلك كان يحس بهذا الشعور تجاه يوسف. لم تكن تحب أنه يفكر بهذه الطريقة وتمنت لو تستطيع تخليصه منها.
قالت مباشرة: سآتي طبعا، ستكون رحلة مسلية.
ابتسم فارس قافزا عن حضنها: فعلا؟ تريدين المجيء؟
: أريد وبشدة.

كان الاثنان، يوسف ومنال، غير راغبين في قضاء الوقت معا.. ليس بعد أحداث ذلك النهار. ولكنهما كانا مستعدَّين لفعل أي شيء حرفيا، لتعويض فارس عن المشاعر التي عاشها الفترة الماضية.. مهما كان طلبه، كانا جاهزين لتنفيذه. ولو طلب منهما رحلةً إلى القمر بدلا من المنتزه، لبدآ بناء الصاروخ لحظتها. كانا يعيشان وسط تأنيب ضمير فظيع لرؤيتهما فارس يعاني بسببهما، وأرادا إسعاده بأي شكل.

مشى فارس سعيدا نحو غرفته كي يبدل ثيابه ملتفتا إليهما، قال بنبرة أمر: تجهزا إذن حتى آتي، لانريد أن نتأخر على بندق!
ابتسما على صوت فارس المتسلط وهو يلقي الأوامر.. قبل أن يجيباه كان قد اختفى.
ما إن خلا المكان بهما قال يوسف بسرعة دون أن يرفع عينيه عليها: سأنتظركما في الخارج.
اختفى هو الآخر دون أن ينتظر منها جوابا.. جلس أمام البيت وقرر أن يستغل الوقت بالتدخين قبل أن يأتي فارس، فهو لم يكن يحب رؤيته له مع السجائر.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن