جلست منال وأحمد في صالة المنزل، والتي كان المطبخ المفتوح مطلا عليها.
راقبت منال لينا الجالسة على مقاعد المطبخ، تأكل بنهم من طبق رقائق الذرة الذي جهزته لها.. مؤرجحة ساقيها بمرح وهي تتأمل الألغاز المرسومة على علبة الرقائق.
تنهدت منال والتفتت إلى أحمد الذي كان جالسا ببعض الإجهاد على الأريكة المجاورة لها.. قالت بضيق: هل تريدني أن أصدق أنك لاتحمل أية شعور، ولا أية شعور لهذه الطفلة الرائعة؟ مهما كنت سيئا، أنا أعرف أنك لست بهذه البلادة.
سكت أحمد وفكر متضايقا.. في الواقع، لم يكن ينزعج من لينا كما ينزعج من أخويها. فهي الوحيدة التي لاتعامله بخشونة، ولا تكرهه.
لقد كبر البقية وتعلموا أن يكرهوه كردة فعل على سلوكه معهم.. مما كان يولد عنده انزعاجا مضادا، وهكذا إلى اللانهاية.. لقد كان الأمر وكأنهم قرروا أن يشكلوا حزبا ضده. حزبا قائما على احتقاره ومقته وعلى محبة كبيرة لأمهما على عكسه. أما لينا فكانت مختلفة.. لطالما كانت حنونة ورقيقة معه رغم جفائه معها، لقد تقبلت جفاءه كما لو أنه شيء مفروغ منه واعتادت أن لا تطلب أو تتوقع منه شيئا.قال بشرود: تعرفين.. عندما أدخل عليهم.. يتحدثون، ضاحكين سعداء، يخرسون مباشرة. لست أبالغ، إذا دخلتُ على هذه العائلة مجتمعة، تموت الضحكات والابتسامات في نفس اللحظة. يرمقني أبنائي بعيون حادة كارهة قبل أن يسكتوا عن أي كان الذي يقولونه. لكنها لا تفعل. لم تفعل هي هذا من قبل. إنها دائما على طبيعتها معي.
قالت منال متضايقة: ومع ذلك، تكافئها بهذه المعاملة. لماذا تفعل هذا؟
أجاب بهدوء: إنها لطيفة. وأنا لا أكرهها. هذا لايعني أنني أحبها ولا أنني أريد أن أكون أباها.
قطبت حاجبيها.. قالت بجدية: هذا يكفي.. هذا يكفي يا أبي. عليك أن تكون مسؤولا.. مرة واحدة على الأقل في حياتك كن مسؤولا.. إذا أردتَ أن نكون على وفاق، ستحاول معالجة علاقتك بهذه الطفلة. إذا لم تكن تستطيع تحسين علاقتك ببقية أبنائك، فعلى الأقل حسنها معها. إنها لن تنسى هذا حين تكبر. صدقني! وأعدك أن هذا سيمنحك شعورا حسنا!
فرك أحمد عينيه متعبا: لا أفهم لماذا تتعبين نفسكِ بهذه الأشياء! لماذا تجهدين نفسك بالتفكير بهذه العائلة؟ إنها ليست مسؤوليتكِ!
احتد صوتها وجاهدت كي لاتصرخ: لأن هذه الطفلة هي أنا!!! -أشارت على نفسها بسبابتها بحركة عصبية- إنها أنا، إنها تعاني فقدك رغم محبتها لك! ولكن الفرق أن الأوان لم يفت بالنسبة لها! أنت لم تتخلص منها ولم ترمها عند رجل مجنون! يمكنك أن تمنح نفسك وتمنحها علاقةً سعيدة وصحية! ل-أوقفها أحمد حين أحس أن انفعالها وكلامها صارا مؤذيين لكليهما: حسنا.. منال.. حبيبتي.. اهدئي، سأحاول، أعدكِ! حسنا؟
التقطت أنفاسها وحاولت أن تهدأ.. تمتمت وهي تمسح وجهها بكفها: أعتذر. أنا لم أرد أن أكلمك بهذا الأسلوب.. لكنك فقط.. أنت تكرر الأخطاء نفسها.. سيصيبني الأمر بالجنون.
طبطب على ركبتها وقال بهدوء: أعرف.. لاعليكِ.
فكر أحمد.. ماذا ستقول منال لو عرفت أن ابنه خالد قد ترك المنزل بسببه.. كان يعيش في سكن جامعته، ويزور المنزل في أوقات متقطعة كي يرى أمه وأختيه.. وماذا ستقول لو عرفت أن ابنته الأخرى تكرهه لدرجة أنها حين يسألها أحد عن اسمها الكامل، تنسب نفسها لأمها بدلا عنه.
قرر أنها ليست بحاجة لمعرفة هذه الأشياء.. فعلاقته مع أبنائه أعقد من أن تستطيع إصلاحها، وهو لم يكن واثقا أنه يريد هذا الإصلاح أصلا، عدا لينا، التي كما قالت منال، لعل الأوان لم يفت عليها.

أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...