٣٩

1.7K 45 3
                                    

دخل الطبيب عليهما حيث كانا بانتظاره في الغرفة.. قطب حاجبيه فور دخوله، هالة من العدائية كانت تملأ المكان، جلس على كرسيه أمام الكنبة التي يجلسان عليها محييا..: صباح الخير.. زيارةٌ عاجلة، وتقطيبات حادة.. لستما على مايرام!
لم يجد ردا.. كانت منال ترمقه بنفاد صبر فيما كان يوسف كئيبا وهادئا..
ابتسم محاولا تحسين الجو: لماذا جئتما متعجلين هكذا؟
زفرت منال بتعب: إننا لسنا على مايرام، نعم. ولكن هذه ليست المشكلة.. إن فارس يلاحظ هذا.. لقد مر بانهيار عصبي حاد بالأمس رغم أننا لم نظهر له إشارةً واحدة.. لا أعرف كيف يلاحظ. وسيكون عليك أن ترشدنا بخصوص هذا.
سكت لحظات ثم قال..: إن يوسف يجلس مقتربا إلى منتصف الأريكة، فيما تنكمشين يا منال قرب الحافة وكأن لمسه سيقتلك. إنك تسندين يدك الأقرب منه إلى جسدك حتى بطريقة غير مريحة كي تبتعدي عن وجوده الفيزيائي. إنكما تتجنبان النظر إلى بعضكما، عيون يوسف متسعة لشدة انزعاجه، ومنال تهز قدمها كأنها قنبلة موقوتة. والآن، أخبراني، إذا لاحظت كل هذا خلال أقل من ثلاث دقائق، كيف لن يلاحظه ابنكما المهووس بحالتكما خلال ايام طوال؟
سكت الاثنان شاعرين بالغباء.. تابع هو: ستقولان لي أنكما تحرصان على التمثيل أمامه، نعم، أنتما تراقبان قولكما وفعلكما، ولكن، لايوجد إنسان على وجه الأرض يستطيع مراقبة لغة جسده على مدار الساعة. قالت منال بانزعاج: اذن ما الحل؟
: انا اعرف انكِ جئت بنية غير اصلاحية، بل انك جاهزة لمهاجمتي اذا بدأت الحديث عن حالتكما. صحيح؟
امتعضت منال ولم تعلق.. تابع بصرامة: ولهذا سأقول لكليكما، ستفعلان ما أقول، وستتبعان خطتي. إن راحة ابنكما تبدأ من مناقشة وضعكما أنتما، ولهذا، أنا من يقرر الخطة، لا أنتما. وسيكون عليكما أن تبذلا كل جهدكما للتعاون معي.. هل هذا مقبول؟
قطبت منال حاجبيها، لم يبد على يوسف أنه متعجب من هذا الأسلوب، عرفت أنه معتاد عليه. بالفعل، كان يوسف معتادا على صرامة طبيبه معه، إنه يعامله بخشونة أحيانا، ولم يكن يوسف يمانع، يعرف أن هذه هي الطريقة الصحيحة.
قال يوسف بهدوء: أنا دائما جاهد لأبذل جهدا. كلاكما تعرفان هذا.
عضت منال على شفتها بغيظ.. اللعين يتظاهر بالمثالية من جديد، وكأنه لم يفعل شيئا.
نظر الطبيب الى منال بانتظار اجابتها.. دفنت وجهها بين كفيها وقالت بتعب: انا لا اعرف ماذا افعل.
سكت الطبيب.. رفعت منال رأسها وتابعت من بين اسنانها وصوتها يرتفع تدريجيا، فيما ارتجفت كفاها بوضوح لشدة الانفعال: انني تحملت يوسف طيلة عمري.. تحملت عنفه وجنونه وتحكمه وهوسه، تحملت الاغتصاب، تحملت الاذى، تحملت الحبس. ولكننا كنا وحدنا. كان باستطاعتي ان انهار، ان اتعب، ان امرض نفسيا وجسديا. اما الآن، مع وجود فارس، صار علي ان اكون انسانا خارقا. صار علي ان ابتسم طوال الوقت، صار عندي ابن يرتعب وينهار عندما اظهر ابسط علامة من علامات التعب والاجهاد.. ماذا يجب علي ان افعل؟ اخبرني انت، كيف ستتصرف لو كنت مكاني؟ بين زوج، او لا اعرف، ايا كان اسم هذه العلاقة اللعينة، بين رجل مجنون عنيف مثل يوسف، يتحكم به مزاجه وتسبق يدُه كلماتِه، وبين ابن بالغ الحساسية يعيش وسط قلق مرضيّ شديد، حيث ينهار حين اكون اي شيء الا فراشةً ملونة مصبوغة بالسعادة والمرح.. اخبرني كيف تعيش بينهما وكيف قد تملك الطاقة او حتى الرغبة كي تحسّن وتغير وتتغير؟ لقد تعبت. كيف قد اتحمل فيما انا اعرف ان هذا لن ينتهي ابدا؟ مهما وعد يوسف بالتغير، ومهما تحسن، فهو سينتكس من جديد، ثلاثتنا نعرف هذا. اذن، اخبرني يا دكتور، -ركزت نظرها في عينيه- كيف تريدني ان اتعاون معك وسط كل هذا الجنون؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن