١٤٠

806 49 41
                                    

: تفضل..
قالها يوسف بصوته المبحوح حين سمع طرقا على باب غرفته في المستشفى..
لقد أمضى هنا يوما كاملا لم ير خلالهما منال ولا فارس، كما أن منال كانت تتجاهل اتصالاته مما جعله ينزعج.

دخلت سارة بوجه هادئ: أهلا يوسف.. كيف أصبحت؟
اعتدل يوسف في جلسته قليلا..: أهلا بكِ، أفضل.
مسحت سارة الغرفة بعينيها، زفرت قبل أن تقول: يوسف، هل تسمح لي بالجلوس قليلا؟
أشار يوسف إلى الكرسي وقال بمودة: بالتأكيد، تفضلي.
سحبت الكرسي لتقرّبه من السرير وجلست.. مررت كفها على ذراعه: أنا آسفة لتأخري في زيارتك.. أخبرتني منال أنك لم تكن واعيا أو بحالة تسمح لك باستقبال الضيوف.
ابتسم يوسف: لا عليكِ.. لا تهتمي.. أنا كنتُ بالفعل أكثر تعبا من أن ألاحظ وجودكِ أصلا.. ثم.. أنتِ لستِ ضيفة.
ردت سارة الابتسامة بأخرى شاحبة بعض الشيء.. ركز يوسف عينيه عليها وقال بجدية: ماذا يجري؟ 
تأملته سارة لحظات ثم نهضت عن الكرسي، جلست على الكنبة وتربعت فوقها مريحة كفيها المعقودتين في حضنها كي ترتاح أكثر.. أعادت عينيها عليه وقالت: أولا.. أردتُ أن أعتذر على أسلوبي الحاد معكما بخصوص فارس مؤخرا.. أنا أعرف أنني لا يحق لي التدخل بينما لا أعرف ظروفكما.. -تنهدت بعمق- ولكنني تعبتُ كثيرا من رؤية حالته تسوء بإفراط تدريجيا. يوسف، أرجوك، أعرف أنك تحب الحفاظ على مساحتك الشخصية وخصوصيتك، ولكن إذا احتجتَ لأي مساعدة بخصوص فارس، يجب أن تقول لي!

اضطرب يوسف بعض الشيء..: لم أغضب عليكِ.. سارة.. ولستُ أمتنع عن طلب المساعدة منكِ، وإنما لا أظن أن باستطاعتكِ أنتِ ولا أي شخص آخر تقديم المساعدة.
عقدت سارة حاجبيها: ماذا عن طلب رأيي، يا يوسف؟ ماذا عن مشاركة مشكلتك واستشارتي، ربما يمكنني أن أقدم فعلا مساعدة أنت لا تعرفها. هل جربتَ هذا من قبل؟ هل تتكلم مع أي أحد يوسف؟ أنا لم أرَ من قبل حولك أي أصدقاء، ودع عنك بالطبع موضوع العائلة، من إذن تفضي إليه؟ منال؟ كيف لك أن تتحدث إليها وحدها فيما المشكلة مشتركة بينكما؟
تنهد يوسف بعمق: كلا.. أنا لا أتكلم مع أحد. أما أنتِ، سارة، فالكلام معكِ يعني التضحية بعلاقتنا، وأنا لا أريد ذلك.
عقدت سارة حاجبيها مباشرة: التضحية بعلاقتنا؟ ما الذي يعنيه ذلك؟
: لا يهم. أنا أتمنى لو كان باستطاعتي فعل ما تريدين، ولكنني لا أستطيع ذلك.
سكتت سارة، نهضت وعادت إلى الكرسي بجانبه.. مدت يديها وببطء وضعتها بجانب كفه: هل تسمح لي؟
بلع يوسف ريقه واضطرب قليلا وهو يتأمل ملامحها.. كان يرى في عينيها اهتمامها الكبير به، واحترامها العميق لعلاقتهما كعلاقتها العائلية الأكثر قوة وأهمية، وكان يبادلها ذلك الشعور، ولكن ذلك كان يؤلمه.. فوجهها يذكره فورا بملامحها الطفولية وهي تبكي لأجله أو تدافع عنه.. ويذكره بأنه سيخسرها، وبكم ستحتقره حين تعرف حقيقته.
كان يعرف أن سارة لم تكن تعتبره أخاها فحسب، بل كان بالنسبة لها "أخا أكبر" بكامل المعاني الممكنة وكانت توليه هذا الاحترام بحكم فارق العمر بينهما وكامل الظروف التي عاشاها، والرعاية المبطنة التي قدمها لها في صغرهما. كان يتخيل معرفتها بجرائمه، ويتصور كم سيتشوه هذا الحب الذي تكنه له.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن