١١٨

1.1K 41 8
                                    

وصلها صوتٌ غير مألوفٍ مطلقا.. صوتٌ متردد جدا.. قطبت حاجبيها مستغربةً، وتبادلت مع يوسف الذي كان يستمع معها نظرةً.
: "آه.. مساء الخير.. أعتذر عن إزعاجك.. إنني.. أنا.. أعتذر عن الاتصال بشكل مفاجئ. أنا هاشم، زوج أسماء.. ولقد كنتُ.. أنا أرغب في الحديث معكِ للضرورة. أرجو أن تعاودي الاتصال بي عند سماعكِ الرسالة.. شكرا.. أعتذر.. من جديد".

قطبت منال حاجبيها أكثر حين انتهت الرسالة التي بدت كلغزٍ محيّر.. أولا، لماذا قد يرغب في الحديث معها "للضرورة"؟ وثانيا، لماذا بدا صوته هكذا بهذا الاضطراب؟
تتذكر لقاءها معه في المستشفى.. لقد كان هادئا جدا، رزيناً للغاية، فطِنا ولمّاحا.. وواثقاً بنفسه. ما الذي صنع هذا الرجل المهزوز الذي تسمعه الآن إذن؟

قطع صوت يوسف، الذي بدا عليه بعض التوتر، أفكارها: حول ماذا يدور هذا باعتقادك؟
مصت شفتها وهي تتأمله.. لماذا يبدو مستاءً هو الآخر؟
قالت بهدوء: لا أعرف. هذا غريبٌ جدا.. لكن، لا شك أنه متعلق بأسماء.
تنهد يوسف بضيق وسكت وهو يعاود العبث بطعامه.. إنه لم يعد يتحمل وجود عائلتها حولها.. إنه يعاني مع عائلة أبيها المزعجة، ولن يتحمل انضمام أمها وزوج أمها للقائمة.
لم يعلّق مع ذلك، وجاهد كي يسيطر على ضيقه.. إنه يتمنى لو يمحو عائلتيها الغبيتين، كلاهما، من الوجود. يعي كم ذلك جنوني، ولكنه لا يريد أن تكون لها أي علاقاتٍ أو تواصل معهم. يكاد ذلك يصيبه بالجنون.

: يوسف، هل تريدني أن أتجاهل رسالته؟
رفع عينيه عليها من جديد وظلّ يدرسها محاولا فهم الهدف من سؤالها.. هل هي تسأل لتفعل مايريد بالفعل، أم هي تسأل لتعرف مايريد، ثم تناقشه وتهاجمه؟
قال بصوتٍ هادئ: سأكون مجنوناً لو أجبتُ بنعم، على سؤالك.
ابتسمت، لم تكن ابتسامة عدوانية، ولكنها كانت ابتسامة ساخرة للغاية: إننا بالفعل مجانين يا يوسف، لا بأس بذلك، أخبرني، كيف تريد أن أتصرف مع هذا الموقف؟
تنهد يوسف.. بدأ بشوكته يزرع ثقوباً صغيرة في قطعة الفراولة الصغيرة المتأرجحة في طبقه.. أجاب بشرود: ما أرغب به، هو أن لا تتكلمي معه أبدا، لا هو ولا غيره ممن يربطكِ بهم أي شكل من أشكال العلاقة العائليّة. أما ما أريد فعلا أن تفعليه، وما أتمنى أن يحصل الآن، أريدكِ أن تتجاهلي رغبتي تماما وتفعلي ما تشائين.

سكتت.. كان ذلك ناضجاً وغير متوقع من يوسف. قالت بهدوء: أنا لا أمانع فعل ما تريد، إذا كان ذلك سيريحك. إلا أن ذلك سيغذّي ذلك الشعور في نفسك وسيجعله أكثر سوءاً. ونحن لا نريد ذلك. نحن لا نريد أن نغذي التملّك في داخلك. ولهذا، أظن أن علي استطلاع ما يريد، لكنني سأبقيك دائما على اطلاع، وسنتراجع متى ما أحسستَ أن الأمر فوق طاقتك.

دلّك ذقنه بتفكير..: هل أنتِ واثقة أنك تريدين أن تكوني بهذا التفهم؟
: نعم.
تنهد بتعب.. غرس الشوكة كاملةً في قطعة الفراولة ومدّها لها معرباً عن شكره.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن