قضى يوسف تلك الليلة في المكان ذاته، كان خائفا من العودة، ومن البقاء وحيدا، وهكذا قضى الوقت مع ليلى التي تركته عندما قرر أن يغفو.
يرتاح يوسف لهذا المكان، فسبب تردده الكثير عليه منذ سنين، كانت له معاملة خاصة. فإذا جاء، تُستعمل مفارش الأسرة الخاصة به، والتي لايلمسها غيره. وتُجهز له الغرفة حسب مزاجه، وتُنظف تنظيفا دقيقا للغاية لعلمهم بهوسه المرضي بالنظافة.
ولهذا كان يحب ذلك المكان الذي كان يدَلل فيه دون أن يضطر لبذل أي مجهود.تقلب يوسف في نومه منزعجا، صور سريعة كانت تتقافز في ذهنه، غرفة العمليات ذات الإنارة الخافتة، رائحة الحديد الحادة بسبب الدم، الدم نفسه المتفجر من فم أبيه خلال العملية مخلوطا باللعاب، اللسان ذي القوام اللزج والموضوع على طبق معدني فوق طاولة العمليات الزرقاء..
فتح عينيه بشدة وقفز من مكانه راكضا إلى الحمام.. تقيأ بشدة، بعنف فظيع، رغم خلو بطنه من أي طعام.. ظل يسعل وكأنه سيتقيأ رئتيه وأحشاءه..
جلس بإجهاد شديد على الأرض وهو يرتجف ويتعرق.. تلك المناظر الدموية القاسية بدأت تؤذيه أذى بالغا رغم أنه استلذ بعذاب أبيه وقتها..
تحامل على نفسه واستقام واقفا، دخل حوض الاستحمام وشغّل الماء خافضا الحرارة إلى أقصاها.. أغمض عينيه فيما اصطكت أسنانه وازرقت أطرافه لفرط برودة الماء.. لا يعرف ماذا كان يفعل.. أراد أن يجمد جسمه ويخدر شعوره ويعاقب نفسه في وقت واحد..
التفت خلفه بحدة حين سمع طرقات على الباب.. ثم صوت متردد خائف وصله فيما فُتح الباب ببطء: هل ترغب في من يرافقك ياسيدي؟
ميّز الصوت مباشرة.. كان صوت هديل.. انزعج أكثر وازداد غيظه من نفسه وحنقه على كل شيء، يزعجه وجودها إذ يذكره بمدى انحطاطه.. صرخ بعصبية: اخرجي من هنا!
سمع بوضوح خطواتها المرتبكة وهي تغادر المكان.. تنهد بتعب.. لايعرف لماذا يسمح لنفسه بمعاملتها بهذا الشكل.. لم يكلم ليلى بهذه الطريقة في حياته.خرج من المغطس حين فرغ وهو يرتجف بردا.. أخرج فرشاة الأسنان الجديدة من غلافها وهو يحرك أصابعه المتجمدة بصعوبة..
فيما كان يفرش أسنانه أخذ يتأمل وجهه في المرآة المقابلة.. كان وجهه منهكا، والسواد حول عينيه شديد الوضوح.. مرر كفه ببطء على جرح جديد لاحظه على شفتيه، عرف أنه بسبب شدة تقيئه قبل قليل.
زفر بتعب.. لف منشفة حول خصره وخرج إلى الغرفة.. عبس منزعجا حين رأى هديل تقف بخوف واضح بجانب باب الغرفة.. قال بضيق: لماذا مازلتِ هنا؟
تلعثمت وقالت بوجه ملون وهي تبعد عينيها عنه: آسفة.. إنه.. أنا.. ستغضب مني مديرة المكان إذا خرجت.. أرادت مني أن.. كي تحسن مزاجك مع إفاقتك.. و.. لأنها أرادت تقديم خدمة إضافية لك..
تنهد.. لم يكن يريدها هي بالذات في المكان، فهو يواجه صعوبة كبيرة في مقاومتها.. كما أن صغر سنها يؤلمه، يعذبه، يعذبه من أعماق قلبه.
قال بهدوء: اخرجي، قولي لها أنني لا أريدكِ ولا أريد غيركِ.
هزت رأسها بالإيجاب وتحركت لتخرج، لاحظ يوسف فجأة على وجهها أثرا كانت تخفيه بإسدال شعرها عليه.. قطب حاجبيه واستوقفها: انتظري لحظة!
انتفضت والتفتت نحوه بتوجس.. كانت مرتاحةً لأنه لايريدها، فكرت.. هذا الرجل يرعبها إلى أقصى الحدود.
تقدم يوسف منها ولاحظ شدها لعضلاتها وتقوقعها في مكانها.. مد كفه نحو وجهها لتغمض عينيها وتتجمد.. أبعد شعرها بخفة ثم مرر أصابعه على الأثر البنفسجي على وجنتها.. قال بضيق: ماهذا؟
تمتمت: إنه لاشيء.
انكمشت ملامحه.. كان المعيار الأخلاقي عند يوسف معوجًّا لدرجة كبيرة.. ففيما هو يؤذي منال كل أشكال الأذى الممكن، لم يكن يطيق الاعتداء كمبدأ في المجتمع الإنساني على العموم، ولم يكن يتحمل رؤيته، ولم يكن يطيق فاعله، ولم يكن هو ذاته يفعله مالم يكن بالاتفاق.. ولقد كان يعتبر حالته مع منال استثناءً. ولهذا لم يطق فكرة أن أحدا ما آذى مراهقة وحيدة كهديل..
قال بجدية وهو يبعد يده عنها: أخبريني! هل هو أحد الزبائن؟
تراجعت خطوة وقالت متضايقة: إن هذا ليس من شأنك ياسيدي..
مص شفته بتفكير ثم قال: حسنا.. يمكنك الذهاب.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...