٤٨

1.9K 61 3
                                    

=
قطب حاجبيه متعجبا حين وصله اتصال من مدرستها.. اجاب بقلق اذ ان الاتصال يعني بالضرورة وجود مشكلة ما: نعم؟
وصله صوت قلق ومضطرب: أستاذ يوسف.. صباح الخير.
: صباح النور، ما المشكلة؟
تردد المتصل: في الحقيقة.. لانجد منال، يبدو أنها هربت من المدرسة.
قطب حاجبيه واحتد صوته غاضبا: هربت؟ هل تمزح معي؟ كيف يمكن ان تهرب طفلة من المدرسة دون ان ينتبه احد؟ ماهذه الفوضى؟
تلعثم المتصل: نحن نبحث عنها في الوقت الحالي، وسنجد سبب هذا القصور ياسيدي.
اغلق الهاتف في وجهه وهو يشتم ونهض من مكانه، ركب سيارته وطار نحو المدرسة.. اتصل بحرسه الذين يحرسون المكان فأخبروه انهم لم يروها مطلقا. كان ذلك غريبا، لابد انها هربت من مكان غير مراقب.

قطب حاجبيه متعجبا حين دخل المدرسة، كان في المكان جوٌّ احتفالي، كما كان في المدرسة آباء كثر مع ابنائهم وبناتهم.. اتجه رأسا الى مكتب المدير الذي استقبله بقلق كبير: اهلا بك استاذ يوسف، نحن نعتذر كثيرا على ماحصل. كما ترى، اليوم هو يوم الأب في المدرسة، ليست هناك حصص دراسية، والكل منشغل، لقد غفلنا عنها.
انزعج يوسف كثيرا، يوم الأب؟ لهذا هربت اذن.. لم يعرف بخصوص هذا اليوم اللعين، والا لما تركها تذهب الى المدرسة.. فكيف يمكن مع ظروفها ان تحتمل شيئا كهذا، فكل اب يحتفل مع ابنائه وهي وحدها لا تملك شيئا الا ابشع ذكريات، واسوأ واقع.
عض على شفته واجاب: ياله من عذر وقح، هل على العائلات ان يتوقعوا اختفاء اطفالهم مع كل مهرجان واحتفال عندكم؟
مسح المدير جبينه المتعرق بمنديله وهو يتمتم باعتذاراته.. لم يكن يريد اغضاب يوسف فهو رجل مهم وهو لايريد خسارته.
تابع يوسف منزعجا: ثم، لماذا لم اعرف بخصوص يوم الاب هذا؟
اضطرب المدير: لقد بعثنا اوراقا مع الطلاب لنبلغ الاهالي.
احتد يوسف اكثر: انك تعرف ان منال حالة خاصة، فأبوها ليس موجودا ولا أمها، وعلى هذا يفترض ان تتواصلوا معي شخصيا في مثل هذه الحالة. أنا اضعها في مدرسة راقية كهذه لانني اريدها ان تتلقى هذا النوع من العناية الخاصة والتركيز، والا فتعليمكم ليس افضل الموجود وصدقني لن اتعامل مع هراء احتفالات الاباء والامهات هذه في مدارس اخرى!
تنهد المدير منزعجا لصياح هذا الشاب الذي يصغره باكثر من عشرين سنة في وجهه.. تمالك اعصابه وقال بلباقة: انت محق ياسيدي، انت محق تماما، اعذرني واعدك ان هذا لن يتكرر في المرة القادمة.
رمقه يوسف بنظرة محتقرة: إن كانت هناك مرة قادمة.
تلون وجه المدير وخرج يوسف من المكان.. كان منزعجا وغاضبا لانها اضطرت لمعايشة موقف غبي كهذا، كان عليهم ان يحرصوا بشأن هذا الموضوع، فهم يعرفون حالتها وهو قد حرص من قبل على توضيحها لهم.
في الوقت نفسه، كان منزعجا لاهتمامه بها وبشعورها.. لماذا يبالي بها؟ لماذا صار يحب هذه الطفلة التي لم تكن الا وسيلة انتقام؟ ولماذا تصور شعورها وسط كومة الآباء هذه يكاد يصيبه بالجنون؟

خرج من المدرسة وتوجه رأسا الى اقرب حديقة منها.. يعرف انها تحب الحدائق، ويعرف انها ستختار مكانا يمكّنها من العودة بسهولة حين يشرف اليوم على الانتهاء.
كما توقع.. بعد ان مشى قليلا في الحديقة وجدها على احد الكراسي الخشبية.. وقف يتأملها.. كانت على وجهها ملامح كئيبة.. في يدها لعبة الكترونية، وكانت بين الفينة والاخرى ترفع نظرها الى الاطفال الذين يلعبون امامها على بعد مسافة منها بالالعاب مع عائلاتهم.
تنهد متضايقا وتحرك باتجاهها.. رفعت عينيها عن اللعبة الالكترونية ببطء حين احست بوجوده. تلون وجهها بخوف حين رأته يقف امامها، يداه في جيوبه، ويرمقها بنظرات باردة.
ارتجفت ارتجافا واضحا.. شدت معطفها عليها واغمضت عينيها وقالت بصوت مرتعب مهزوز وبكلمات سريعة متقطعة: انا آسفة، اعرف انك تمنعني من الخروج من المدرسة دون اذنك ولكنني-
قطعت كلامها حين احست بحركته فانتفضت برعب وغطت وجهها بذراعيها وهي ترتجف متوقعةً ضربة.
قطب حاجبيه منزعجا من تصرفها حيث انه كان فقط يتحرك كي يجلس بجانبها.. بعد ان مرت لحظات خفضت يديها ببطء عن وجهها المتعرق من الخوف وفتحت عينيها لتراه قد جلس ببساطة.. حاولت ان تهدئ انفاسها الحادة وعادت لتنكمش وتشد معطفها حولها بحركة دفاعية..
انتظر لحظات حتى صارت اقل انفعالا ثم قال بصوت هادئ: لست غاضبا. اهدئي.
قطبت حاجبيها وكأنها تحاول برمجة هذا الموقف الغريب.. تأمل ملامحها التي بدت وكأنها تحل لغزا، لولا كآبة الموقف وسبب هذه الملامح لضحك منها.
زفر وقال: كان عليك ان تخبريني. لماذا تذهبين اصلا الى المدرسة في يوم تافه كهذا؟
سكتت غير عارفة كيف تجيب.. لقد كان سؤالا غبيا.. لماذا ستقول له أي شيء ومنذ متى وهي ترتاح لمصارحته؟ وهل هو يهتم بمصلحتها اصلا؟
قالت بهمس: انت تكرهني. كنت ستجبرني على الذهاب كي تؤذيني.
قطب حاجبيه واحتد صوته: قلت لكِ من قبل انني لا اسمح لك بتحديد شعوري! انا لا اكرهكِ. عليك ان تفهمي هذا!
سكتت لحظات.. هي لا تصدقه.. ليس من سبب يدفعه لمعاملتها تلك المعاملة الوحشية مالم يكن يكرهها..
قالت بهدوء شاردة: لا احد ينظر الى احد اخر بنظرات كالتي تنظر الي بها مالم يكن يكرهه.
فكر مشدوها.. نظراته؟ هي تتكلم عن نظراته؟ لم يفكر بهذا من قبل ولم يدرسه.. كيف هو ينظر اليها؟ انه لايعرف فعلا!
: انني لا اكرهك يا منال. انتهى! ولم اكن لأجبرك على الذهاب الى مهرجان العذاب النفسي ذاك! انا لست معتوها!
سكتت عاجزة عن التعليق.. فهذا الذي يقوله يدل على انه معتوه ببساطة.. لماذا قد يحطم عظامها ثم يمتنع عن اجبارها على المدرسة؟ كيف يكون هذا منطقيا؟
انزعج من جديد لعجزه عن التواصل معها بشكل جيد.. قال بصرامة خاتما المسألة: اخبريني في المرة القادمة. واضح؟
تنهدت.. هاقد عاد كل شيء لطبيعته.. همست باستسلام: واضح.
مسح على شعرها بنعومة قبل أن يقبل جبينها قبلة طويلة.. قال وهو يداعب وجنتها الصغيرة بإبهامه: لاتحزني.
تعلقت عيناها بعينيه بتساؤل وحيرة كبيرة.. ابتسم وقبل انفها بحركة سريعة قبل ان ينهض: لنذهب.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن