٩٢

1.4K 65 10
                                    

خرج يوسف من دورة المياه بعد أن استحم.. لم يكن فارس ولا منال في الغرفة.
كان يتوقع إفاقة فارس، أما منال، فكان يظن أنه سيجدها في السرير كالعادة، إذ أنها تخلت عن الاستيقاظ باكرا مع فارس منذ زمن.
تنهد وهو يزيل الغلاف البلاستيكي الذي لفه على ضمادة قدمه كي لاتتبلل، وضع عليه ملابسه شاردا وهو يفكر بخطوته القادمة كي يخرج منال من اكتئابها.
خرج إلى الصالة ليجد منال وفارس جالسين على الشرفة.. كانت منال تسند خدها على كفها، وتنظر إلى فارس بتركيز متابعةً ثرثرته بابتسامة بالكاد ظهرت، وعينين غائرتين، بينما كانت كفها تعبث بكوب قهوة موضوع أمامها.
نظر إلى المائدة ليجد فطور فارس المفضل.. أحس بالراحة.. يبدو أن منال أدركت أن إهمالها لفارس قد طال.

نظرت منال إلى يوسف الذي دخل الشرفة محييا مستندا على عكازه، وقبّل فارس قبل أن يجلس. لاحظت أنه كان يقطب حاجبيه بألم مع كل حركة يتحركها، خصوصا عندما لامس ظهره الكرسي.
لم يتكلم معها ولم ينظر حتى إليها.. وركز انتباهه على فارس..
: مابال قدمك بابا؟
ابتسم يوسف: تعثرت بزجاج مكسور.. إنه شيء بسيط، لاتقلق.
عبس فارس: أنتما تصابان بإصابات كثيرة! لم لا تتصرفان بحذر؟
اضطربت منال بعض الشيء.. فبين كل الأشياء الغريبة التي يلاحظها فارس في حياتهم غير الطبيعية، لاشك أن الإصابات الكثيرة من أهمها.
قال يوسف محاولا أن يجعل نبرته عادية ومازحة: آه.. أنت محق.. إننا أخرقان بعض الشيء.. ولكننا سنكون أكثر حرصا..

ترك فارس المائدة كي يجهز نفسه للمدرسة.. وساد الصمت بين الاثنين..
تأملت منال يوسف وزفرت.. كان يحرص على عدم النظر إليها، وكانت على وجهه ملامح باردة وقاسية ظهرت فور اختفاء فارس. كانت تعرف سبب هذا كله وتتوقع حدوثه..
قالت بهدوء: توقف عن هذا يا يوسف.
قطب حاجبيه.. رفع عينيه عليها أخيرا وقال ببرود ممسكا بشوكته وسكينه: نعم؟
وضعت كوب القهوة الذي كان في يدها على المائدة وقالت: توقف عن التصرف هكذا.. أعرف أسلوبك هذا.. آلية الدفاع التي تستعملها لحماية نفسك.. دائما تفعل هذا.. بعد أن نقضي أي وقت عاطفي، تبادر بإظهار سلوك بغيض كي لا تعرّض نفسك للرفض. كي لا أعاملك أنا أولا بسلوك يؤذيك، ولهذا تبادر بإيذائي أولا.

وضع الشوكة والسكين في طبقه.. اعتدل قليلا في جلسته وتحمحم.. قال بهدوء: ألستُ محقا؟ تندمين دائما بعد الاستسلام لعاطفتكِ معي، وتهاجمينني بعدها، وتعاملينني بكراهية. إنني لا أريد رؤية كراهيتك تلك، ولا التعامل معها. إنني فعلا أحمي نفسي من رؤية كم قضاؤكِ وقتا حسنا معي يجعلك تندمين وتكرهين نفسكِ. هل أنا مخطئ في ظني؟

سكتت لحظات ورشفت من قهوتها ثم أجابت بالنبرة الهادئة ذاتها: نعم. أنت مخطئ هذه المرة.
رفع حاجبيه وابتسم ابتسامة ساخرة مائلة: هه.. تقولين أنكِ لم تندمي على رقتكِ معي بالأمس؟ أنكِ لا ترغبين في محو تلك اللحظات من حياتك وذاكرتكِ؟ أنك لاتتمنين رؤيتي أموت لفرط كرهكِ لي الآن؟
ظلت صامتة دون أن تحرك عينيها عنه.. اختفت ابتسامته وقال بحدة: نعم.. هذا ماظننتُ.
عضت على شفتها..: كلا يايوسف. ليس أي من هذه الأشياء الثلاثة صحيحا.
تنهد يوسف بتعب: لا تعبثي بي يامنال..
أجابت بجدية مركزة عينيها في عينيه: لستُ أفعل!
رمى منديله متضايقا وهو ينهض عن المائدة: أنتِ لستِ بخير. هذا سيء للغاية..
احتد صوتها: السيءُ أنني لا أكرهك؟
احتد صوته هو الآخر: نعم! بالطبع! إن كرهكِ لي دلالةُ سلامتك الذهنية والنفسية.. ما دمتِ تحسين بالود تجاهي، فأنتِ لستِ بخير. أنا وأنتِ نعرف ذلك!
نهضت دافعةً كرسيها بعصبية: ماذا لو كنت في حالة ذهنية ممتازة وكنتُ أرغب فقط في نسيان ذلك الشعور؟ ماذا لو كنت أريد أن أعيش معك حياةً هادئة طبيعية؟ هل يستحيل عليك منح نفسك مثل هذه النهاية السعيدة؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن