٦٢

1.4K 55 5
                                    

أغمضت عينيها وهي تحس أن جسمها يرتخي شيئا فشيئا.. كانت يده تحيطها وتشدها إلى جسمه، ويده الأخرى تمر بخفة على شعرها.. رائحته الناعمة تسبح في أنفها.. خليط خفيف من صابون الجسم الخاص به، ومرطب جسمه، وآثار بسيطة من عطره الذي يضعه على ملابسه.. كلها كانت روائح خافتة غير نفاذة، ولكنها تجتمع معا لتكوّن هالة الرائحة الحسنة المنعشةالتي تحيط به دائما.
بحركة بطيئة أبعدها عن جسمه وأرخاها على بطنها، غطى النصف السفلي من جسميهما بغطاء خفيف ثم فيما هو مستلقٍ دلّك عضلات ظهرها.. دفنت وجهها في الوسادة وتركته يفعل مايشاء..
كان مستمتعا.. يتحسس بكفيه ظهرها ويقبّل كتفها مرة ورقبتها مرة.. ويستنشق هو هذه المرة رائحتها التي يعشقها.
مرت الدقائق على ذلك الحال.. لم تنبس هي بحرف ولم تتحرك، كان جسمها مرتخيا تماما ومستسلما. قبّل طرف أذنها قبل أن يهمس: غفوتِ؟
لم تجبه لحظات، ثم سحبت نفسها ببطء من بين يديه وجلست وهي تسحب الغطاء الخفيف لتلفه على جسمها ولكنه ارتخى قليلا عن كتفيها..
تأمل يوسف وجهها الذي كان تعيسا وكئيبا كما توقع.. إنها ملامح حزن فظيع، بعينين شاردتين وكأنها في عالم آخر. اعتدل في جلسته ليكون مقابلها، وسطه بجانب وسطها ويده منزلقة تحت الغطاء لترتاح على خصرها.
أغمضت عينيها حين طبع قبلة خفيفة على شفتيها.. إنه يحاول أن يشبع منها، لقد افتقد جسدها طويلا. لم يكن الأمر مقتصرا على جسدها، ولكن التقارب المادي الدافئ بينهما كان شيئا يدمنه ويحتاجه. إنه يمده بالأمان والقوة اللذين يحتاجهما كي يعيش. لحظات مابعد الجنس هذه كانت تهمه كذلك كثيرا، وهي تعرف ذلك، فلطالما بقيت مجبرةً في حضنه لمدة طويلة كي يتلمسها ويعبث بها بعد أن تمارس الجنس معه مجبرةً كذلك.
فتحت عينيها ببطء لتجد وجهه أمامها يدرسها ويراقبها بحرص.. ويده التي كانت على خصرها تمسح الآن على فخذها.
قالت بهمس..: أنت دائما تفوز.
قطب حاجبيه، لم يفهم. قال بصوت خافت غير راغب في تدمير الجو الهادئ الذي وصلا إليه أخيرا: ماذا تعنين؟
تنهدت بحرقة.. قالت ببطء: أنت تؤذيني، ثم تفوز بي. أنت تؤذي فارس، ثم بكل سهولة تفوز بمحبته. كل ماتفعله في حياتك يوميا تصرفاتٌ أنانية خالية من أي فكر أو اهتمام، ولكن كل شيء يجري كما تريد في النهاية.
لم يكن عنده رد.. ولكنه لم يقتنع، فمتى تحديدا جرت الأمور كما يريد؟

أدركت منال من ملامح وجهه أنه لايفهم شيئا من شعورها.. لقد كانت تتوقع ذلك، وهذا ما كان يمنعها عن إخباره بما تفكر. إنها دائما تلجأ له حين تضعف، وحين تخاف وحين تحزن، لأنها وجدت نفسها دائما مضطرة لهذا. طبعا يفرح يوسف في مثل تلك الحالة رغم علمه كم يؤذيها السيناريو. كل مرة يقتلها هذا.
ولكن هذه لم تكن مشكلتها، إن مشكلتها الحقيقية كانت فارس.
قالت وهي تبعد عينيها عنه محدقة في الفراغ..: لقد حملتُ بفارس بسبب إجبارك لي على نفسك. ثم تأذى هو في بطني بسبب إجبارك لي من جديد، تلك المرة بسبب الإجبار الوحشي والعنيف. حين وُلد أردتَ رميه في المشفى حتى تختار له متبنيًا، وحين أخذناه معنا أجبرتني على حبسه في الغرفة. لقد بقي أول شهور عمره كلها في تلك الغرفة لا يخرج إلا حين تخرج أنت من المنزل. لقد انتزعته من حضني انتزاعا بينما كان يرضع وأخذته وسط بكائه الهستيري راغبا في التخلص منه، لم تتراجع إلا حين توسلتك ورجوتك رجاء مثيرا للشفقة، رجاءً ترفعتُ عنه سنين طويلة رغم الضرب والأذى والجنس الإجباري، حتى اضطررتني إليه أخيرا. حين كبر لم تحمله ولم تلمسه مرة واحدة ولم تلعب معه ولم تكن حتى تحب النظر إلى وجهه. -سحبت نفسا عميقا ثم نظرت إلى عينيه- وبعد هذا كله، حين تقرر فجأة أن تكون أباه، تحصل على أبوتك مجانا، بكل بساطة، تحصل على محبته، بل على تقديسه لك، تحصل على عشقه لك وقربه منك. كيف لا تريدني أن أغضب حين أراه في حضن الرجل الذي عرضه، وعرض أمه لكل هذا؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن