١٣٠

1K 50 10
                                    


سحبت منال نفسا عميقا فيما كان الطبيب يتفحص معصمها وكفّها.. قال بامتعاض: لماذا أزلتِ الضمادة يا منال؟
قالت بلا مبالاة، وهي تحس بالتعاطف مع الطبيب الذي اعتاد على هرائها هي ويوسف: خطأً.. أزلتُها خطأً.
ابتسم الطبيب وقال وهو يحضّر معداته ليضمّدها من جديد: كيف يحصل هذا تحديدا؟ هل هربَت منكِ؟
اعتدل يوسف في جلسته منزعجا من منال التي كانت كالعادة تظهر استهتارا كبيرا بصحّتها..
قالت بلا اهتمام: لقد أزلتُها اليوم صباحا، لا تقلق، لا ضرر سيحصل خلال هذه المدة القصيرة.
تنهّد الطبيب بيأس: ولكنكِ لم تعتنِ بها خلال الفترة الماضية.. منال، أنتِ لم تأتِ لمواعيد العلاج الطبيعي، ومما تظهره لي الأشعة، كفّك ومعصمك مجهدان للغاية، من فضلك يا منال، أرجوك، هلا اهتممتِ بنفسكِ قليلا؟ أنا لا أطلب منكِ شيئا، فقط ضعي المراهم بانتظام ومارسي التمارين حتى لو كنتِ ستفعلين ذلك وحدكِ في المنزل دون المجيء للمواعيد، طبعا، أنا أفضّل المواعيد، ولكن، افعلي أي شيء، أي شيء!

سكتت منال ونظرت إلى يوسف الذي كان يرمقها بحدة منزعجا من إهمالها ومنزعجا من نفسه.. بدا الأمر مضحكا بالنسبة لها، بين كل تعليمات الطبيب، لم يقل لها أن "لا تجهد معصمها" مثلا، إنه لم يعطها أي نصيحة حول الحفاظ على سلامة يدها، لأنه يعرف أنها تتعرض للأذى، وبالتالي، يعرف أن الأمر ليس بيدها، ولهذا كان ينصحها في حدود ما تستطيع هي فعله. كان تصرفا ذكيا ومراعيا، ونابعا من خبرته الطويلة بهما.

قالت بهدوء: حسنا، لا تقلق، سأفعل.
زفر الطبيب بملل من الوعود المتكررة التي لا معنى لها، يعرف منال منذ أكثر من عشر سنين، ويعرف جيدا نمطها في كل شيء. رفع عينيه إلى يوسف وقال بصوت جامد: أستاذ يوسف، هلا تركتنا لحظات؟
نقل يوسف بصره بين الاثنين، كان سبب مغادرته واضحا جدا لدرجة مضحكة، ولكنه لم يمانع. نهض وهو يقول لمنال بهدوء: سأنتظركِ في السيارة، هاتفيني إذا احتجتِ لأي شيء.
سكتت منال وتأملته بحيرة حتى غادر.. كان الوضع بينهما هادئا جدا منذ شجارهما الحاد.. مشاعر غضبها خفتت تماما، ولكن، وكذلك مشاعر عاطفتها.. كانت تحس بفتور كبير وإجهاد، وبملل شديد من التقلب الحاد جدا في عواطفها.

بدأ الطبيب حديثه فيما عمل على تضميد يدها بحذر: أعرف وأتذكر جيدا ردة فعلكِ حين حاولت إقناعك بالكلام في زيارتك السابقة، أنا لا أحاول إزعاجكِ يا منال، ولكنني قلق عليك كثيرا.. أتمنى أن تكوني بأمان، وأتمنى أن تعرفي أنني موجود في حال احتياجكِ لأي مساعدة. حتى لو بدى لكِ وضعٌ معين مستحيلا، تذكري أن لكل مشكلة حل.
زفرت منال.. قالت بهدوء وهي تسحب يدها منه بعد أن فرغ من تضميدها: أقدّر لك اهتمامك، لا تقلق، أنا فعلا بخير.
سكت الطبيب وهو يتأمل وجهها الشاحب، ثم نهض بأسى متجها إلى مكتبه، جهز لها وصفة أدويتها ثم ودّعها وهو يأمل من كل قلبه أن لا يراها مجددا بإصابة أسوأ.

ركبت منال السيارة بجانب يوسف الذي بدا ممتعضا.. قال متضايقا وهو يحرك السيارة: ظننتُ أننا تكلمنا بخصوص التخلف عن مواعيدكِ.. لماذا تفعلين هذا؟
تمتمت: سألتزم بها.. لا عليك.
رمقها بنظرة مستاءة: إنها غلطتي، لقد أهملتُ متابعة الأمر لأنني ظننتُ أننا اتفقنا بالفعل بشأنه، ولكنكِ-
قاطعته بجدية: يوسف، توقف، لقد مررتُ بظروف صعبة تعرفها جيدا، هذا كل شيء، سألتزم بها مجددا، لا تقلق.
سكت يوسف بغير رضى، وحرك السيارة عائدا إلى المنزل، بينما تساءلت منال مطولا، هل الطبيب محق؟ هل ستكون مصابة إصابات جديدة في المرة القادمة التي تراه فيها؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن