استيقظت صباحًا على حركته، كان يبعدها عنه. كالعادة، حين يأتي الصباح ينفضها عنه وينهض دون أن ينظر إليها حتى.. وكأنها شيء ما.
انكمشت وهي تشدّ الغطاء حولها.. كانت مجهدة وكانت تشعر بالبرد.. راقبته بعيون متعبة، كان جالسا في الجهة الأخرى من السرير، ظهره مقابلها وقدماه على الأرض وهو عارِ إلا من الشورت.. فتح الدّرج وأخرج كيسا فيه مسحوق أبيض.. قلّب الأغراض قليلا ثمّ التفت إليها بوجهٍ غاضب وقال بحدّة: أين الإبرة؟
قطّبت حاجبيها وجلست وهي تقول بتوتّر: في الدّرج عندك!
قال من بين أسنانه: هل أنتِ غبيّة؟ أنا لست أعمى! ليست موجودة هنا!
لحظات وتذكرت أنّها تركت مخزون الإبر في المطبخ.. نهضت من السّرير وهي تتحرّك بصعوبة وقالت بهمس: لحظات وأحضرها.
ذهبت إلى المطبخ وعادت بالإبرة.. كان من الواضح أنها تبذل جهدا كبيرا كي تسير وهي تتظاهر أنّها لا تتألم، فوجهها كان مغضنا وملامحها منكمشة.
ناولته الإبرة فسحبها منها ثمّ قبض على معصمها ونهض وعيونه تلمع بالغضب ثمّ هوى على وجهها بصفعة لفّت وجهها بقوّة وجعلت الدّنيا حولها تدور. وجعلتها تكاد تطير لولا إمساكه بها.
أغمضت عينيها بألم، ضغط على معصمها وقال صارخا: كلّ شيء يتعلق بالحقن سيكون جاهزًا هنا عندما أحتاجه، لا تصيبيني بالجنون حتى لا أقتلك! هل تفهمين؟؟
حرّكت فكّها الذي شعرت أنه تحطّم، همست بصعوبة: نعم.
أفلتها ودفعها من كتفها بخشونة: اغربي من أمام وجهي! تحركي!
ضغطت على أسنانها وتحرّكت خارجة دون كلام.. متسلط ومجنون، والحقن تزيد جنونه لتحوله إلى همجي أهوج.
استحمّت بالكاد لألم ظهرها.. لم تكن تنوي أن تذهب للجامعة، ليست لديها الطاقة للحركة حتى.
جهّزت له قهوته ورتّبت الصّالة. ذهبت إلى غرفته وطرقت الباب..
: ماذا؟
وصله صوتها هامسا: هل ستفطر؟
: لا. جهّزي بعض البسكويت.
: حاضر.
ذهبت بتثاقل وأخرجت البسكويت المعلّب الذي يحبّه وجهزته بجوار قهوته.. حرصت على كل تفصيلة في الطاولة، كل شيء منظم وأنيق ونظيف لدرجة وسواسية مرضيّة.
جلست في الصّالة تنتظره، خرج بعد فترة، رمى عليها نظرة، كانت تجلس بتعب واضح، ببيجامة واسعة وخفيفة، تضمّ ساقيها إليها وتعبث بهاتفها..
جلس بجوارها في مكانه المعتاد، أمامه المنضدة التي عليها قهوته وطعامه.. أخرج من الدرج المجاور له علبة السجائر والولّاعة.. أشعل سيجارته فشعرت بانقباض في تنفسها.. تضايقت.. يعرف أنّها لا تطيق هذه الرائحة ولكنه لا يهتمّ.
تحرّكت من مكانها ونهضت وهي تقول: سأدخل.
سارت عدّة خطوات فأوقفها صوتُه: إلى أين؟؟
التفت وقالت بضيق: إلى الغرفة!
قال بحدّة: هل سمحتُ لكِ أن تذهبي؟
كانت تعبث بأصابعها بعصبيّة.. قالت بتعب: تعرف أنني لا أتحمّل رائحة الدّخان!
: لا يهمّني! أنتِ لا تذهبين من عندي دون إذني! هل تفهمين؟؟ -طبطب على الكنبة بجواره- تعالي فورًا!
ضغطت على أسنانها وجلست حيث أشار لها ملاصقة له.. سحب نفسًا من سيجارته ثمّ التفت إليها ونفخه في وجهها ببرود وهو يحيط خصرها بذراعه.. أشاحت بوجهها عنه ممتعضة وسعلت بنَفس ضيق..
ابتسم باستهزاء.. استمرّ في تدخينه وهو يعمل على جهازه المحمول ويتصرّف وكأنها غير موجودة. فترة ثمّ قال: آه.. صحيح.. غدًا إعادة اختبارك الذي كان يفترض أنّه بالأمس. ذاكري جيّدا.
قالت بهدوء: أنا لا يمكنني الذهاب غدًا.
التفت إليها ورفع حاجبيه: لماذا؟
قالت وهي تحاول كتم غضبها بصعوبة: لأنني متعبة.
أغلق الحاسب المحمول ونهض وهو يقول بلا اهتمام: هذا لا يهمّني.. ستذهبين غدًا.. أحضري لي معطفي..
تحرّك نحو الباب دون أن ينتظر ردها، صرّت على أسنانها بغيظ وذهبت إلى الغرفة، أحضرت له معطفه وعادت.. كان قد ارتدى حذاءه، سحب المعطف منها، كعادته دون أن ينظر إليها.. ارتداه ثمّ التفت إليها.. كانت تعرف مهمّاتها، أغلقت له أزرار المعطف.. وضع يده على رقبتها من الجانب ببعض الخشونة وإن كان يدلّكها بإبهامه.. قال ببرود: سأنبّهكِ، لن تخطي خطوة واحدة خارج المنزل اليوم.. و.. ذاكري جيّدا. انتبهي لنفسكِ..
لم تنطق بحرف.. انحنى وقبّل جبينها بنعومة ثمّ أفلتها وخرج مغلقا الباب خلفه.
—
في اليوم التالي، أفاقت على حركته عندما نهض إلى الحمام.. تعجلت ناهضة من مكانها بسرعة كي لا تتأخر عليه.. استحمّت وارتدت ثيابها وجهّزت القهوة، ذهبت إلى غرفته، طرقت الباب وهي تتمنى ألا يكون بمزاج سيء.. فتح عاريًا إلا من الشورت ومنشفة فوق رأسه، وفي يده سيجارة.. أطرقت وقالت بهدوء: هل ستفطر؟
سكت قليلًا ثمّ قال: نعم.. ولكن تعالي.. جففي شعري أولًا..
سكتت ودخلت خلفه بصمت.. مزاجه الصّباحي يجعله يتكاسل عن فعل أبسط الأمور.. وهذا يجعل كل تلك الأمور من مسؤوليّتها.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...