٥٧

1.5K 66 8
                                    

لم تخرج من غرفتها منذ أفاقت.. إنه يوم عطلة، وهي تحس أنها مستنزفة تماما، لا طاقة لها ولا حتى لرفع ملعقة.
لم يكن يوسف في الغرفة، لم تره منذ تركته ليلا في الصالة.. لم تر فارس كذلك، ولكنها لم تكن تملك الطاقة للاهتمام به.
إن وجودها مع فارس يتطلب منها جهدا هائلا بسبب قناع المرح الذي تضطر لوضعه.. إنها لم تعد تتحمل ذلك. ولم تعد تطيق التظاهر والتمثيل المستمر. فالأمر يتعبها نفسيا وجسديا ويستهلكها.
ولهذا قررت أن تسمح لنفسها بوقت خلوة بسيط.. وبقيت في الداخل.
قضت بعض الأعمال وقرأت.. بعد ساعات لم تفلح في إراحتها قررت أن تخرج وأن تترك المنزل كله..
بدلت ملابسها وخرجت وهي متعجبة لأنها لم تسمع من فارس شيئا، فهذه ليست عادته. إنه عادة يريد أن تكون معه فور استيقاظه، وإن تأخرت ولو قليلا كان يحرص على تذكيرها بوجوده.

قطبت حاجبيها حين دخلت الصالة لتجد يوسف وفارس جالسين معا على الأريكة مقابل التلفاز.
كان فارس جالسا بجانب أبيه. كانا متلاصقين. ففارس يسند جسمه على جسم يوسف ويسند رأسه على كتفه، فيما لف يوسف ذراعه حول فارس، منشغلين بلعب لعبة فيديو باندماج كامل وهما يتبادلان التعليقات والضحكات.
لم تكن قد رأتهما بهذه الأريحية من قبل، بديا منسجمين وودودين، وعلى وجهيهما راحة كبيرة.
صحيح أن علاقتهما تحسنت في الفترة الأخيرة، ولكن الحاجز بينهما لم يكن قد ذاب تماما، وإنما كان ينقص بالتدريج، وكانا حذرين في التلامس الجسدي ولم تكن بينهما سلاسة وراحة بخصوصه. ولكن، عندما رأتهما لحظتها، بديا وكأنهما بأحسن حال منذ ولد فارس، وكأنهما لم يعيشا مشكلة واحدة قط، وكأنهما مقربان قربا لا يصدق.

لاحظ يوسف وقوفها الغريب عند المدخل، كانت تراقبهما بنظرات لم يفهمها. بدت مستاءة مما ترى، لم يستوعب السبب، فتوافقهما عادةً يسعدها، ولكنه هذه المرة رأى شيئا يراه لأول مرة، شعورا لم يميزه.. سحبت نفسا عميقا حين رأت أنه لاحظها واقتربت منهما: صباح الخير.
رفع فارس عينيه وابتسم سعيدا: صباح النور ماما. لقد تأخرتِ في النوم!
لم تعلق، تقدمت منهما، مررت كفها وسط شعر فارس وقبلت جبينه، قالت وهي تبتعد: سأخرج قليلا. هل تريدان شيئا؟
راقبها يوسف بحذر محاولا دراسة مزاجها ولكنه لم يفلح، فهي كانت تحرص ألا تواجهه النظر. ولكنه عرف أنها لم تكن على مايرام.

قلق فارس، ليست عادتها أن تترك المنزل مباشرة بعد إفاقتها.. كما بدت له بعيدة وباردة.. سأل مضطربا: ولكن لماذا؟ هل لديك عمل؟ إنها عطلة!
ابتسمت بصعوبة وهي تضع فوقها معطفها: إنها أعمال مرتبطة بالمنزل، وسألتقي بأصدقائي. حسنا؟
لم يقبل فارس هذا العذر.. أي أصدقاء هؤلاء الذين لم يسمع بهم في حياته؟ كما أن غرابة سلوكها كانت واضحة جدا بالنسبة له. إنها ليست على طبيعتها، يسهل عليه معرفة ذلك. ومع ذلك جاهد كي لا يزعجها.. ابتسم ابتسامة ضعيفة..: حسنا.. ولكن لا تتأخري..
أجابت بلا اهتمام: لاعليك.
بدت متعجلة للذهاب.. لوح يوسف لها قائلا: رافقتكِ السلامة.
كان عليه أن يقول أي شيء كي لا يقلق فارس، فهو سيلاحظ إن خرجت دون أن يتبادلا أي كلمة.
ذابت ابتسامة منال وتركت المنزل مباشرة دون جواب.
كان ذلك غريبا.. لم يفهم يوسف الهالة التي كانت تحيط بها. بدت مستاءة ليس فقط منه، وإنما من فارس نفسه!

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن