دخلت المنزل وهي تزفر.. كان يومها على الصعيد المهني جيدا، حيث فهمت ما المتوقع منها واُخبرت انها ستُدرب عليه في الشهور الاولى. كما اوضحت مديرتها اعجابها بسيرتها الذاتية ومشاريعها السابقة، وبينت لها اهتمامهم بابقائها معهم.
ولكنها لم تكن تهتم بذلك كله.. كانت مجهدة.. بالها مشغول بفارس، وباضطرارها للتعامل مع يوسف هذه الايام.
تفحصت المكان لتجد يوسف وفارس جالسين الى طاولة الطعام.. التلفاز يعمل في الخلفية، رأت ان فارس قد بدل ثيابه المدرسية واستحم. وكلاهما يأكلان بهدوء.
التفت فارس اليها حين دخلت.. ابتسم: اهلا ماما..
قطبت حاجبيها.. هذه ردة فعل غريبة، انه هادئ.. وعيناه.. اضطربت بشدة، هل هذه بقايا دموع؟
تقدمت منه وقبلت جبينه ممررة كفها في شعره..: اهلا ياحبيبي.. كيف حالك؟
: انا بخير.. كيف حالكِ انتِ؟
ابتسمت: انا باحسن حال الان بعدما رأيتك.
اتسعت ابتسامته كثيرا وانشرح وجهه اثر كلمات امه.. كان يعشق تعبيرها عن محبتها له..
التفتت الى يوسف.. وبتثاقل قبلت وجنته.. قال بصعوبة هو الاخر مزيّفا الكثير من الود: كيف كان يومكِ؟
اجابت متظاهرة بالمرح: موفقا جدا. سأذهب لاغتسل وآتي لأتغدى معكما.. اكاد اموت جوعا.
دخلت الغرفة وهي تحس ان رأسها سينفجر.. لم كان فارس حزينا؟ ولم كان يبكي؟
بدلت ثيابها واغتسلت ثم خرجت من جديد.. جلست معهما وغرفت من الطعام..: هل انت بخير يا فارس؟ لا تبدو طبيعيا؟
ابتسم ابتسامة صفراء: لا.. لا.. انا بخير. فقط اشعر بالتعب.
قطبت حاجبيها، ليس من عادته ان يخفي عنها.. نظرت الى يوسف متسائلة، والذي رمقها بنظرة ذات معنى، فهمت من نظرته ان تؤجل الحديث، ففعلت.
غيرت الموضوع محاولة ان تحيي الجو الذي كان ميتا بوضوح حين كان فارس وحده مع ابيه، ثم ذهب فارس ليغفو غفوته المعتادة بعد المدرسة.
ما ان اختفى قالت مباشرة: ما باله؟
تنهد يوسف..: ما ان دخلنا ولم يجدكِ حتى انفجر بالبكاء.. لقد دخل في حالة هستيرية لم ارها عليه من قبل. قام بتحطيم ورمي ما حوله.
عضت على شفتها وبدا عليها الألم الشديد.. تابع يوسف: حاولت تهدئته، عندما هدأ قال انه لن يبين لكِ حزنه حتى لا يعكر عليك وقتكِ في العمل. ولهذا لم يقل لكِ شيئا..
رمت الملعقة من يدها واسندت وجهها على كفها بضيق شديد.. سحبت كوبها وشربت كل الماء فيه دفعة وحدة.. ثم تابعت طعامها بشرود..
اعجبه انها لم تسأله عن تعامله هو مع غضب فارس.. كان يحب ثقتها به فيما يخص فارس، يحب انها تثق انه لن يؤذيه ولن يقوم بما يضره.
بينما كانت هي شاردة تماما في موضوع آخر.. انها لا تستطيع ترك العمل.. ليس من مصلحة فارس ان تبقى في البيت حتى تجن او تتركه مجددا.. وفي الوقت نفسه لا تعرف ان كان عليها فعلا ان تضعه تحت هذا الضغط النفسي فيما هو اصلا مضطرب ومتوتر.. كانت عالقة، ولم تعرف كيف ستتصرف.
: هل انتِ بخير؟
رفعت عينيها عليه حين سألها.. رمته بنظرة مشمئزة كلها كراهية.. ففوق اشمئزازها الاصلي منه، كانت حادثة حمزة تتكرر امام عينيها طيلة اليوم كالشريط السينمائي.. فعادت مشحونة ضده متمنية لو تقتله.
نهضت من مكانها حاملة معها صحونها الى المطبخ.. ثم دخلت الى غرفتهما. زفر.. سيكون عليه ان يتحمل هذا البرود طويلا على مايبدو.
هي دائما باردة معه.. ولقد اعتاد على هذا. ولكن درجة البرود القصوى هذه تزعجه وتؤذيه.
هو الآخر كانت حادثة حمزة تتردد في ذهنه خلال اليوم بعد ذكرها لها.. انه يتذكر بوضوح ملامحها المستغيثة ذلك اليوم.. وانكسارها الطويل بعدها لاسابيع.. وامتناعها حتى عن النظر الى وجهه.
انه ليس سعيدا بما فعل.. ولكنه تعمد الكلام عنه بقسوة كي يذكرها انه معتوه، وان عليها ان تتجنب ايقاظ هذا العته فيه.
تذكر حادثةً كانت الاولى من نوعها بعد موضوع حمزة.. وفي ايام انهيارها وعجزها عن الحركة..
![](https://img.wattpad.com/cover/244454403-288-k764006.jpg)
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...