١٠٩

1.3K 62 18
                                    

مساء الخير جميعا..
أعتذر على التأخير، والذي كان لظروف اضطرارية..
شكرا لكل من سأل وانتظر..
قراءة ممتعة.
—————

كانت منال جالسة أمام الطبيب النفسي الذي اعتادت مراجعته مع يوسف بعد أن طلبت معه موعدا مستعجلا وطارئا.. بدت منزعجة ومتوترة فيما كانت تدخن سيجارتها الإلكترونية وتهز قدمها بعصبية.
لقد كانت ترغب بشدة في سيجارة عادية، ولكنها عرفت أن فُرصها بخصوص ذلك انتهت مع يوسف. بمجرد أن يشم منها رائحة السجائر، سيقتلها.

رمقت الطبيب بنظرة تميل للعدائية وظلت ساكتة.. ابتسم لها بودّية مدركا كم تكرهه.. قال وهو يرتاح بعض الشيء في جلسته: إذن.. لم أتوقع أن أراكِ بعد المرة الأخيرة. لقد هددتِني كثيرا حسب ما أذكر.
عبست منال وقالت: لقد قلتُ تلك الأشياء بسبب الغضب، لم أكن سأفعلها فعلا.. لستُ معتوهة لأحرم أحدا من مصدر رزقه لمجرد أنه قال رأيا لم يعجبني، -ابتسمت بسخرية- حتى لو كان رأيا غبيا.

تنهد الطبيب وقال: أعرف ذلك يا منال، وأعرف أنني أزعجتك ذلك اليوم.. إنني كنتُ أقدم لكِ رأيي المهني الصادق مع ذلك.
انكمشت منال قليلا وهي تتذكر ذلك اليوم.. تتذكر غضبها الهائل بسبب نصيحته المستفزة التي أصابتها بالجنون.. نصيحته أن "تحب" يوسف بعد أن رأى وسمع كل مافعله يوسف لها. وتذكرت أن الأمور بينها وبين يوسف لم تعد كما كانت منذ ذلك اليوم، فهي أغلقت عليه في الظلام، وبدأت من بعدها سلسلة الأحداث العدوانية الفوضوية بينهما.

ومع ذلك سحبت نفسا عميقا، تلمست الكدمة على معدتها، والتي كانت تؤلمها بفظاعة.. غالبت كل مشاعرها وقالت بهدوء: أنا هنا كي أعمل بنصيحتك.. لازلتُ أظن أنها نصيحة غبية، ولازلت أرى أنها وقاحةٌ كبيرة منك، كطبيبي، أن تطرحها علي، ولكنني هنا كي أعمل بها، ساعدني.

قطب الطبيب حاجبيه.. لم يتوقع هذا مطلقا..: ما الذي جعلكِ تغيرين رأيكِ؟
ظهر الأسى على وجهها.. عبثت بأصابعها بكآبة بالغة.. كان سؤالا جيدا.. لماذا غيرت رأيها؟
: لا أستطيع أن أترك يوسف.. وهذا ليس لأجل فارس، بل إنني فعلا لا أستطيع. لن يسمح لي يوسف بتركه. ولن أستطيع حتى أن أهرب.. منذ أن هربت في السابق، يحرص يوسف على جعل تكرار هذا الأمر مستحيلا.. و.. أصبح إخفاء خلافاتنا أيضا أمرا مستحيلا.. يكتشف فارس كل شيء يوما بعد يوم.. يتأثر بهذا ويمرض.. ويكرهنا. لم تعد عندي حلول. ليس أمامي حل آخر غير تجربة السِّلْم. ماذا سأفعل غير هذا؟ أخبرني؟

قال الطبيب بهدوء: منال، أنا أرى أن خياركِ صائب وسليم. ولكن.. إنكِ لا يجب أن تجربي "السِّلْم".. هذا لا يكفي.. يجب أن يكون التغيير داخليا قبل أن يكون خارجيا.. إن تظاهركِ بالود مع يوسف لن يفعل شيئا إلا زيادة الأمر سوءًا، فهو يلاحظ بسهولة تلاعبكِ به وتمثيلكِ أمامه، وهذا لن يجعله إلا أسوأ.
عبست منال: ماذا تريدني أن أفعل؟
: أريدكِ أن تسمحي لنفسكِ أن تحبيه فعلا يا منال.. إن عند يوسف جانب حساس جدا تجاهكِ، جانب شديد الليونة والنعومة، إنكِ ترين هذا الجانب منذ طفولتكِ، عليكِ أن تركزي عليه، أن تفكري به، وأن تنسي غيره.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن