بعدما حل الليل، طرق يوسف باب الغرفة المفتوح جزئيا قبل أن يدخل.. وجد أن منال لاتزال على السرير، وكانت تحدق في السقف شاردةً، تاركةً هاتفها المرمي بجانبها يشغّل برنامجا ما..
تنهد.. تقدم نحو الدولاب وهو يعرج متجنبا الضغط على قدمه المصابة، قال باختصار وهو يخرج ملابسه: الموعد.
مررت منال كفيها في شعرها بتعب قبل أن تقول بصوت خافت: لا أريد أن أذهب..
أجابها بصوت بارد وهو يزرر قميصه الأسود: لا أذكر أنني سألتكِ عن رغبتكِ.
انزلقت كفاها لترتخيا على وجهها.. تمتمت: أنا متعبة.. لنذهب في يوم آخر.
أجاب بخشونة: سنذهب عندما أقول أنا.. ولقد قلتُ أننا سنذهب اليوم، تحركي.
زفرت منزعجة من أسلوبه.. اعتدلت جالسة ونظرت إليه.. لقد بدل ثيابه بالفعل وصار الآن منشغلا بربط ساعته حول معصمه..
ميل نظره عليها هو الآخر حين لم يجد منها جوابا.. لم تكن فوقها ملابس إلا فستان نوم خفيف لا أكمام له.. كان شعرها منكوشا ووجهها يوحي بالتعب الشديد.. وكانت ترميه بنظرات رجاء يائسة كي يتركها وشأنها.. سحب نفسا عميقا ولعن نفسه حين أدرك أن شكلها الضعيف هذا كان يثيره للغاية بقدر ماكان يؤلمه للغاية..
قطب حاجبيه حين لاحظ جرحا على شفتها السفلى..
تقدم إليها ثم جلس على حافة السرير بجانبها.. مد يده ببطء قبل أن يضعها على أسفل وجهها ثم يمرر إبهامه على موضع الجرح في شفتها..: ماهذا؟ لم يكن عليكِ صباحا!
لم تبتعد عن لمسته وظلت ساكنة.. همست: إنه لاشيء.. إنه نتيجة الانفعال الذي كنتُ فيه حين هاتفتُك اليوم..
أفلتها يوسف ببعض القسوة قبل أن يقول: ألم أقل لكِ أن لا تؤذي نفسكِ؟
مصت شفتها قبل أن تتمتم بضيق: آسفة..نهض عن السرير بغيظ منزعجا من انصياعها المستمر له واختفاء شخصيتها الحقيقية تماما.. سيفقد عقله غضبا ويؤذيها في آخر الأمر لو استمرت بالتصرف هكذا..
إنه منزعجٌ لأن شغفه الوحيد، والذي كان ببساطة عاطفةَ منال وحبَّها ومودتها، يتحقق ولكن بشكل مشوه وخاطئ. إن أمنيته بعلاقةٍ حسنة وهادئة معها تحصل الآن أمامه بصورة قبيحة مُحيت منها منال التي يعرفها ويألَفها..
قال بحدة وهو يمشي عارجا ببطء نحو الباب: انهضي يا منال، تجهزي كي لا نتأخر. سأنتظركِ في الصالة.
كورت كفها على اللحاف: هل بإمكانكَ أن تخاطبني بطريقة أقل عنفا؟
مرر كفه على أنفه بعصبية.. حتى استياؤها من أسلوب كلامه كان مهزوزا وغير صارم، وكأنها تطلب منه معروفا، لا تنهاه عن تصرفاته الوقحة بحقها.
أجاب وهو يفتح الباب ويخطو إلى الخارج: سأفعل حين تطيعين ما أقول.. - التفت وركز عينيه في عينيها- عشرُ دقائق، إذا لم تكوني خلالها أمامي سآتي وأجرك بنفسي.. وصدقيني لن أفعل هذا برقّة.خرج وصفق الباب خلفه دون أن ينتظر ردها.. جلس في الصالة وزفر متضايقا من طريقته معها، ولكنه لم يعد يتحمل شخصها الجديد.. وكان يأمل أن استفزازه لها سيجعلها تعود إلى وعيها.
لم يكن لجهده فائدة، إذ خرجت بعد مدة قصيرة بوجهها الخامل ذاته..
كان شعرها يقطر ماءً، بدا واضحا أنها استحمت ولم تفكر بتجفيفه أو بتمشيطه.. وكانت عليها سترة ثقيلة وبنطال رياضي.
مشت نحوه وقالت بانصياع: لنذهب.
انكمشت عيناها بتعجب حين رمقها بنظرات حادة للغاية.. تراجعت للخلف خطوة وقالت بتوتر: ما الأمر؟ ماذا فعلتُ؟
غمغم بغيظ وهو ينهض إلى الداخل: تبا يا منال..
وقفت مكانها تراقبه بغير فهم حتى اختفى في الغرفة، خرج بعد لحظات بأغراض في يده لم تتبينها..
حين اقترب، رأت أنه كان يحمل في يده منشفة شعرها، وقبعة صوفية.
رمى القبعة على الكنبة، وقف بجانب منال وبعصبية بدأ يجفف الماء عن شعرها..
تنهدت منال.. كتفت يديها إلى صدرها ولم تقاوم.. كانت حركاته رقيقة وانفعالية في نفس الوقت، إذ كان يحرص أن لا يؤلمها، ولكن الغضب كان واضحا عليه..
قال وهو يشد المنشفة على أطراف شعرها كي يعصر منه الماء: البرد قارس في الخارج.. ستقتلين نفسكِ إن ظللتِ تتصرفين بهذه اللامبالاة..
تمتمت بشرود محدقة في الأرض: لعل ذلك لن يكون سيئا.
أحست بحركته تتوقف تماما.. غيّر موضعه كي يواجهها بعد أن كان يقف بجانبها.. انتفضت بسبب المفاجأة حين أمسك فكها ببعض القوة كي يجبرها على النظر إليه، ولكنه لم يؤلمها مع ذلك..
ارتعدت حين رأت غضبا مجنونا في عينيه.. هسهس جازا أسنانه: إذا قلتِ شيئا كهذا من جديد سأجعلكِ تندمين.. سأفعل شيئا يجعل كل مافعلته لكِ منذ طفولتكِ يبدو كنزهةٍ مسلية. هل تفهمين؟ هل تفهمين ما أقول؟
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...