١٢٥

1K 58 25
                                    

أعتذر عن الانقطاع.
شكرا لكل من انتظر..
قراءة ممتعة.

: يوسف.. هل تثق بمنال؟
سكت يوسف متفاجئا من ذلك السؤال، ألقى نظرة مضطربة على منال التي يبدو أن السؤال فاجأها هي الأخرى.
كان الاثنان جالسين أمام طبيبهما المعتاد على أريكة واحدة، تفصل بينهما مسافة بسيطة.
إن ذلك السؤال معقد جدا بالنسبة ليوسف، وتصعب إجابته، هذه مسألة حساسة للغاية بسبب ارتباطها بتاريخهما المعقد، وكان الطبيب يعرف ذلك جيدا، ولهذا سأل.

انفرجت شفتاه ليجيب قبل أن يتردد ويسكت مجددا.. قال الطبيب بهدوء: لنؤجل إجابة هذا السؤال.. -نظر إلى منال- أجيبيني أنتِ يا منال، هل تثقين أنتِ بيوسف؟
تنهدت منال وأجابت بنبرة هادئة: نعم.
بالنسبة لمنال، لم يكن ذلك سؤالا صعبا على الإطلاق. فيوسف لا يكذب عليها قط، لا يخونها دون علمها، لا يستغلها دون علمها، يحافظ على أسرارها، ويحافظ على الوعود بينهما. لم يكن عندها سبب واحد كي لا تثق به.
زفر يوسف بارتياح لإجابتها.. التفت إليه الطبيب: إذن، دورك يا يوسف، عليك أن تجيب.

تنهد يوسف تنهيدةً عميقة.. كان قد قرر أن يكون صادقا وشفافا جدا خلال هذه المواعيد، كان ذلك ضروريا إذا أرادا فعلا تغيير علاقتهما..
قال بصوت يميل إلى الجمود وكبت الغضب فيما عبث بأصابعه ببعض الخشونة: كلا. مطلقًا.
عبست منال فيما سأل الطبيب: لماذا؟ تذكّر أن تجعل إجابتك مفصلة قدر المستطاع.
فرك يوسف عينيه بسبابته وإبهامه وهو يحس بنبضه يتسارع.. لا يعرف لماذا كان يواجه صعوبة كبيرة في فهم أحاسيسه بمجرد التفكير بإجابة لهذا السؤال.. أوقفه الطبيب قبل أن يجيب حين قال بجدية: اسمعاني جيدا، كلاكما.. يوسف، انظر لحالك بسبب هذا السؤال، لقد اندفع الدم إلى وجهك، كفّاك ترتجفان، أنت غاضب.. بداخلك غضب كبير مكبوت تجاه منال.. لم هذا؟ عليكما أن تفكرا بهذا الأمر جيدا، إنه أحد أكبر التحديات التي تواجهكما.

ازداد عبوس منال بشدة.. قالت بحدّة: يوسف؟ يوسف غاضب مني أنا؟ هل هذا يبدو منطقيا؟
عض يوسف على شفته وهو يدلك كفه بانفعال شديد..
تنهد الطبيب: اسمعاني، كلاكما ناضجان وواعيان، ربما أكثر من معظم الناس، إلا أن وعيكما بمشاعر بعضكما ضعيف جدا، وتواجهان صعوبة كبيرة في رؤية الأشياء من منظور أحدكما الآخر، وهذه مشكلة أخرى كبيرة تواجهانها. إذا أردتما لصلحكما أن ينجح، يجب أن يجبر كل منكما نفسه على رؤية الأشياء من عين الآخر، يجب أن يضع كل منكما نفسه مكان الآخر كي يفهمه! والآن، يوسف، انهض من فضلك، امشِ كي يتحسن غضبك، واشرح جيدا لماذا أنت غاضب على منال، يمكنني أن أخبركما أنا بسبب كل شيء، ولكن، أريد أن تعبّرا بنفسيكما.

سحب يوسف نفسا عميقا.. أشعل سيجارة بيد مهزوزة ونهض ليمشي ببطء وهو يفكّر بعمق.. قال بصوت هادئ جدا، جعل منال تحس بالخطر: أولا، لقد خنتِني. يا منال. لقد تركتِ زميلك الملعون يلمسك. لقد تركتِه يلمس جسدك، لقد تـ-
قاطعته منال بانفعال: هل جننت؟ أولا، ألم تنتقم مني كفاية لأجل ذلك؟ هل نسيت ماذا فعلت بي؟ وثانيا، إنها ليست خيانة حين أكون في علاقة إجبارية معك، إنها ليست خيانة حين تجبرني على أن أكون زوجتك، وعلى العيش معك. وحين تغتصبني كل يوم!
سحق يوسف سيجارته المشتعلة في قبضته غير مهتم باحتراقها على بشرته، اقترب منها عدة خطوات وغمغم بوحشية: منال، ألم أحذركِ من هذه اللفظة؟ ألم أفعل؟
انكمشت منال بخوف من النبرة المتوحشة التي لم تسمعها منذ مدة، تدخل الطبيب مباشرة وقال بنبرة صارمة: يوسف، انظر إلي حالا!
تمالك يوسف نفسه والتفت إلى الطبيب، قال الطبيب بجدية: يوسف، يمكن لأي منكما أن يستعمل أي ألفاظ يريد، لا توجد حدود هنا على التعبير، يجب أن تستطيع منال التعبير بحرية عن ما تحس به، وعن ما يجول في خاطرها، وعليك أن لا تستاء من ذلك! هل هذا واضح؟

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن