تحرك نحوها بسرعة وسحبها بعنف من قميصها ثمّ ألصقها بالجدار بخشونة، صرخ بوجه مظلم: متى ستفهمين أن أوامري ليست قابلة للمجادلة والنقاش والتفاهم؟ هاه؟ متى ستفهمين أنكِ ملك لي وأنك ستطيعين أي شيء أقوله لك بلا حرف واحد معترض؟ هل علي أن أعاملك كالحيوانات كي تفهمي؟ ماذا علي أن أفعل؟ كيف تجرؤين على مخالفة ما أقوله لك؟
كانت تغمض عينيها.. مستسلمة له كعادتها.. هي لا تقاومه لأنها تعرف أنه لا جدوى من ذلك.. من النادر أن يصرخ وأن يغضب بهذه الطريقة..
ظنّت دائما أن الشيء الأكثر رعبا حوله هو هدوؤه المخيف وغضبه البارد، ولكنها الآن أمام عاصفته هذه تعرف الخوف الحقيقي.. أطرافها ترتجف وبطنها يؤلمها ولا تجرؤ حتى على النظر إليه، تشعر بسيلان الدم من رقبتها إثر احتكاكها الحاد بالقميص الذي يسحبها منه.. أذنها ستثقب بسبب صياحه هذا.. تكتشف جانبا جديدا أكثر إخافة ووحشية، وتعرف أن القادم الآن سيكون مريعا..
أفلتها بعنف صادما إياها بالجدار.. فتحت عيونها قليلا، لمحت في يده سلكًا كهربائيا أسود سحبه من أقرب تلفاز.. انكمشت.. سيفرغ غضبه من والده مع غضبه عليها فوق جسدها..
رفع يده وصفعها مرة أخرى، التفّ وجهها بقوة وشعرت بالدم في فمها، ألم حارق مرعب في وجهها وصداع وتعطّل لحظي للسمع والرؤية..
جرّها من شعرها وصرخ: ستندمين يا منال، ستندمين، ستفهمين أن لا رأي لكِ، أنكِ لا شيء، أنكِ دميتي يا منال!
دفعها على الأرض بخشونة ثم هوى عليها بالسلك، انكمشت بشدّة وكتمت صرختها بصعوبة.. كانت بيجامتها بنطالا قصيرا وبلوزة بلا أكمام.. كانت شبه عارية.. والروب الذي ارتدته في حضور والده سحبه عنها وألقاه بعيدا..
تكوّرت على نفسها وهو يهوي عليها بالسلك بكل قوته، صوت اللسعات يرتفع ولا صوت لها هي سوى انتفاضة جسدها مع الضربات، كانت تصرّ على أسنانها بكل قوتها لتمنع نفسها عن الصراخ.. لم تبكِ.. هي لا تبكي حين يؤذيها.. هي تختنق فحسب..
شهقت حين شعرت بركلة على خصرها تمزّق أحشاءها.. تكوّرت أكثر واللسعات تستمر وجسدها يحمرّ ويدمى ويحترق.. استمرّ هو يفرغ غضبه وحنقه وحقده عليها.. كانت أفكاره متضاربة جدا وهذا كان يجعله أقسى عليها.. غاضب على والده، يكرهه.. لقطات من طفولته تتراءى له، يتراءى له وجه والده القاسي وهو يركله، يحبسه في المخزن المظلم مربوطا، يحرقه بسجائره.. أغمض عينيه وزاد قوة ضرباته.. ثم والدها.. والدها الذي تسبب بموت أمه وببداية معاناته كلها.. ثم.. رغبتها في معرفة المزيد عن أبيها.. رغبتها في التخلص منه.. هي عائلته الوحيدة..
توقف وهو يلهث بشدة.. يشعر بيده تؤلمه وبالعرق يغطي جسده.. لم يكن واعيا.. لا يعرف ماحصل سوى أنه كان يهوي بيده عليها بكل قوة في جسمه.. بكل غضبه..
نظر إليها.. لقد فقدت وعيها.. لا يعرف منذ متى.. ملابسها ممزقة وملطخة بالدم.. جسدها ممزق أيضا.. وملوّن..
أغمض عينيه بتعب ورمى السلك.. لقد انفجر عليها مجددا.. إنها تستحق.. ولكن ليس لهذه الدرجة! ليس هكذا!
تحرك بسرعة خارجا من البيت وهو يشعر بيده ترتجف وبجبينه يتبلل أكثر.. ماهذا الوحش الذي بداخله؟ إنه خائف.. خائف من كل شيء حتى من نفسه!
ركب سيارته لا يعرف إلى أين يذهب.. ذهب إلى مكان يجتمع فيه جماعة الحقن، حيث يوجد لديهم كل شيء قد يساعده لينسى..
--
فتحت عينيها وهي تشعر بألم مجنون في كل جسمها.. جرّت نفسها بصعوبة لتنهض.. استغرق ذهابها من الصالة للحمام خمس دقائق رغم صغر المكان.. كانت الرؤية غامقة ومشوشة.. دخلت تحت الدش ورمت ملابسها وجلست بعد أن فتحت الماء.. لم تهتم ببرودة الماء لأن ألم الجروح والكدمات أنساها كل شيء.. جلست منكمشة تحت الماء.. لا تذكر كم جلست.. ربما عدة ساعات من التحديق والألم الشديد.. سحبت نفسها بعد ذلك بتثاقل إلى سريرها بعد أن لفت نفسها بالروب.. ابتلعت حبوبا مسكنة وحبوبا منوّمة، وغفت خلال دقائق..
--
مر أسبوعان.. استعادت منال عافيتها بالكاد.. لم تخرج من غرفتها ولم تذهب للجامعة ولم تر يوسف أبدًا.. رغم أنه عادةً لا يتسامح معها ويعفيها من أعمالها حتى لو آذاها..
خرجت مساءً في نهاية الأسبوع من غرفتها.. كان في الصالة.. رفع عينيه الباردتين عليها.. وجهها أصفر وعيناها غائرتان ومتعبتان وملابسها تغطي كل جسدها، متأكد أن هذا كي تخفي الآثار التي لم تشفَ بعد..
كان متماسكًا.. لقد تعمد تركها كل هذه المدة كي لا يضعف أمامها.. لقد تماسك واسترجع قسوته..
حدّقت به بضيق.. نظراته الباردة، جلسته المتعالية واضعًا ساقًا فوق ساق، كأنه ليس مذنبا! كأنها هي المخطئة!
كانت نظراته ثابتة عليها بشكل مزعج كأنه يخترقها.. ولمعة التفوق والتحدي موجودة في عيونه المنطفئة في الوقت نفسه!
قالت ببرود: تبدو مرتاحًا..
قال بالبرود ذاته: لا أرى سببا يجعلني أفقد راحتي..
زاد عبوسها وظهر الاشمئزاز عليها.. سحبت نفسا وقالت ببطء: أنا ذاهبة للمستشفى..
قطب حاجبيه وكسر قناعه فورا.. اعتدل في جلسته وقال بقلق: مالأمر؟؟ هل أنتِ بخير؟
كان يعرفها.. هي لا تطلب الذهاب إلى المستشفى ولا تطيقه! مادامت طلبت فهي في حالة لا تتحملها.. وهي تملك قدرة تحمل عالية جدا!
شعرت بسخرية مريرة في داخلها.. قلق عليها مثلا؟ قالت بنبرة هادئة: غثيان. وبطني يؤلمني.
قال بانزعاج: منذ متى؟
: عدة أيام..
نهض إلى غرفته ليغير ملابسه وقال بجدية: انتظريني.. دقائق..
: يمكنني الذهاب وحدي..
: قلتُ انتظري!
لم ينتظر جوابها ودخل غرفته.. زفرت بقرف.. بطنها يؤلمها بشكل مجنون منذ اللحظة التي ضربها فيها.. لم يؤلمها بهذا الشكل في حياتها.. ظنت أنه سيختفي ولكنه استمر بالازدياد.. ألم غريب.. كانت ستتجاهله ولكنه صار يحرمها النوم حتى..
خرج بعد دقائق.. أشار لها بهزة من رأسه.. رفعت نظرها عنه لأنها لم تعد تتحمل أسلوبه.. نهضت وركبا.. صمت فظيع كان يسود السيارة.. كان قلقا في الحقيقة.. لأجل صحتها، ولأنه لايجرؤ على مواجهتها بعد أن آذاها لتلك الدرجة.. يفهم كم تمقته.. وكم تبذل من الجهد كي تكتم هذا المقت..
زفر بضيق.. استغربت.. هذا يناقض بروده المعتاد أيضا.. لم تهتم وحدقت بالنافذة.. لاحظ كفها التي تضغطها على بطنها وملامحها المتقلصة.. زاد سرعته..
وصلا ودخلا فورا.. لحظات وتمت معاينتها وإجراء بعض التحاليل لها.. كانت مستلقية على السرير الأبيض وهو واقفٌ بجوارها.. جامدٌ كالعادة بينما تهزّ قدمها هي بعدم راحة..
ذهب يوسف لينهي بعض الأوراق المتعلقة بدخولها للمستشفى، بعد فحوصاتٍ كثيرة دخلت عليها طبيبةٌ مبتسمة.. قالت بلطف: إذن.. لا شيء يدعو للقلق يا منال..
جلست منال بإرهاق: ما سبب هذا كله إذا؟
ابتسمت: تهانينا.. أنتِ حامل..
تغير وجه منال بصدمة هائلة وخُطف اللون منه.. شعرت بالدنيا تدور وبكل جسدها يرتجف.. قالت بعدم استيعاب: م...ماذا؟
قلقت الطبيبة.. لقد صار وجه منال أبيضَ حرفيًا! قالت بتوتر: أنت حامل.. في شهركِ الأول.
وضعت منال يدها على جبينها وقالت برعب: لا يمكن أن يكون هذا صحيحا.. مستحيل..
: هل هناك مشكلة ما؟
: لقد كنت آكل حبوبي كلها بانتظام!! كيف يحصل هذا! ماهذا!
: تحدث مثل هذه الأمور يا عزيزتي.. لا يمكن للحبوب أن تضمن المنع مئة بالمئة!
رفعت عينيها عليها وصرخت بحدة: ما معنى هذا؟ لماذا نبتلع هذه الحبوب اللعينة إذا؟
سكتت الطبيبة ببعض الخوف.. سحبت منال نفسًا ودفنت وجهها بين ركبتيها وهي تسند ظهرها على السرير.. لحظات ورفعت وجهها وقالت بيأس: كيف يمكنني التخلص منه؟
نهضت الطبيبة وقالت بانزعاج: لا يمكنكِ.. يبدو أنكِ تعرضتِ لضربةٍ ما أو إصابة، لقد تأذى الجنين ولهذا سبب لك كل ذلك الألم.. أي محاولة للتخلص منه الآن ستهدد حياتكِ بالتأكيد!
قالت بعصبية: فلتذهب حياتي للجحيم! لا يجب أن يُنجب هذا الطفل!تصرفي!
تحركت الطبيبة مغادرة: لا يمكنني التصرف.. تقبلي ما حصل ولا تقتلي نفسكِ وطفلكِ ظلمًا!
أغمضت عينيها وضغطت على أسنانها بغضب شديد.. هذه الطبيبة لا تحتمل! قالت بسرعة: انتظري! لا تخبري يوسف بالنتائج.. لفقي أي شيء!!
تنهدت الطبيبة..: حسنا..
نهضت منال بتعب.. هذه مصيبة.. مصيبة كبيرة.. هل هي مجنونة لتنجب طفلا يعيش معها حياة العبودية والجحيم هذه؟ وأصلا.. ماذا سيفعل بها يوسف إذا عرف؟ سيضربها حتى يقضي على الجنين.. هل سيقتلها؟ سيفعل بها ماهو أبشع من الموت حتى!
ارتجفت وهي تتخيل ردة فعل يوسف.. هي ليست مستعدة لشيء كهذا.. لا تريد مخلوقا يربطها بيوسف.. لا تريد طفلا تعيسا.. لا تريد طفلا لا تعرف كيف تكون أمه ولا يعرف أبوه كيف يكون أبًا له.. لا يجب أن يكبر هذا الطفل في هذه الحياة اللعينة أكثر من هذا الشهر!!
دخل عليها يوسف.. انتفضت والتفتت إليه.. قطب حاجبيه: ماذا بكِ؟.. -سكت لحظات واقترب منها- لماذا وجهكِ هكذا؟
هزت رأسها بالنفي وهمست: لا شيء.
وضع يده على بطنها بخفة: هل يؤلمكِ؟ لقد أخذت قائمة الأدوية من الطبيبة.. ليس بك أمرٌ صعب العلاج.. لا داعي للقلق!
سحبت نفسها من بين يديه وقالت بضيق: لست قلقة..
تحركا خارجين بعد أن أخذا الأدوية.. كانت شاردة طوال الطريق.. عليها أن تتصرف.. عليها أن تخبره.. يجب أن يتصرف ويذهب بها لأكثر الأماكن المتطورة.. لا شك أن هناك طريقةً ما.. لايجب أن يكون التخلص منه مستحيلا.. لقد حصل كل شيء بسبب ضربته.. هذا الحقير..
لاحظ شرودها الغريب ولكنه لم يعلق.. عادا للمنزل وافترقا..
__
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...