ينام يوسف بعمق شادا منال الغافية في حضنه.. يهتز جفناه بقوة حين تتراءى إلى ذهنه صور متتابعة. كان يحلم..
بداية الحلم كانت مشهدا حقيقيا من ماضيه.. كانت ذكرى من طفولته.. رأى أنه، بهيأته الطفولية، مربوط في الاسطبل.. متكورا فوق القش المتناثر على الأرض وهو يرتجف من البرد مجاهدا كي يغفو، لقد كان عاري الجزء العلوي وحافي القدمين، هواء الليل البارد الجاف يهب ليجعل عظامه نفسها تتقلص.
لم يكن هذا أبشع شيء في الصورة.. لقد كان عنقه مربوطا بسلسلة حديدية إلى الجدار. السلسلة التي اعتاد أبوه استعمالها للكلاب الذين أبقاهم في هذا للمكان.
انتهت الذكرى وقتها ليبدأ الحلم بالتحول لسلسلة من الأحداث الغريبة الخيالية. فُتح الباب ليظهر خلفه أبوه بوجه غير واضح بسبب الظلام، سحبه أبوه من السلسلة ليجره خلفه، جرى خلفه مترنحا كي لايختنق، خرجا ليرى يوسف أمامه ممرا طويلا في نهايته هاوية عميقة لايُرى قاعها لفرط عمقها. على يمينه ويساره كانت مقاعد كالمدرجات مليئة بالناس. ميّز بعض الناس وهو يمشي متعثرا خلف والده مرتعبا. كانت أمه هناك، بدت تشبه شكلها في الصورة التي أخذها من محفظة أبيه، كانت هذه الصورة الوحيدة لها التي استطاع عقله الباطن تكوينها، وأحمد لسبب ما كان بجانبها، ونهى وغيرهم. شخصيات كثيرة ووجوه أخرى غير واضحة.
علا ضجيج عندما ظهر، كانوا يضحكون ويدردشون ويرددون أشياء كثيرة. لم يبد أحد مهتما لحاله المزري، تعلقت نظراته بأمه وبدأ يحاول مقاومة أبيه الذي كان يمشي ويجره دون أن يلتفت إليه أبدا، لم ير منه إلا ظهره ولكنه عرف في قرارة نفسه أنه كان أباه. صار واضحا أنه يجره ليرميه في الهاوية. صرخ وصرخ بقدر ماسمح له صوته الطفولي، لكن صوت الجمهور غطى على صوته. فجأةً رأى أمه تتغير، منظر غريب مرعب، ولكن جلدها ذاب واحترق، وكأن جسمها بدأ يتحلل إلى هلام مشوّه غريب.فتحت منال عينيها متشوشة حين سمعت صوت يوسف.. كان يئن في نومه، يتعرق ويتحرك غير مرتاح.. كانت ذراعه المرتخية على خصرها ترتجف، وكان يتمتم بصوت خافت بكلمات لم تفهمها.
تنهدت.. لم يكن هذا المنظر غير معتاد.. يحلم كثيرا بكوابيس.. وكان له أمرٌ واحد دائما: "إذا رأيتِني أحلم، أيقظيني."
ولكنها لم تفعل هذه المرة. ظلت تراقبه صامتة.. بدا مختلفا، كان كابوسا فريدا.. لأنه كان يعاني معاناةً بالغة.. بدأت الدموع تنزلق من عينيه وبدأ يشهق شهقات خافتة.. إنه يتعذب. لم تحاول إبعاد جسمها الملتصق بجسمه، لم تكن تريد تنبيهه. لسببٍ ما.. أرادت أن يستمر هذا الحلم.في وسط الحلم كان يوسف يراقب أمه التي تشوهت دون أن يلتفت لها أحد من الجالسين، كانوا جميعا يركزون عليه هو. على منظره البائس وهو يجر بسلسلة من عنقه.
وصلا أخيرا إلى الحافة، حدق برعب في الهاوية المظلمة وقاوم بجنون. قاوم وقاوم أباه الذي كان يدفعه بقوة نحوها. ولكنه انزلق في آخر الأمر. سقط جسمه نحو الهاوية فأمسك بالحافة بيدٍ واحدة، بكل قوته، محاولا أن لا يسقط.
وقتها فقط أطل عليه أبوه. رأى وجهه لأول مرة منذ بداية الحلم، ابتسم له حسام ابتسامة بشعة قبل أن يركل جبينه بقوة ليسقط أخيرا نحو الظلام.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...