قضت بعض الوقت حتى هدأت.. ثم نهضت وتجهزت بشكل سريع..
ذهب هو إلى المطبخ وتجرع كوبا باردا من الماء.. خرج من المطبخ بينما كانت تدخل الصالة.. مسحها بنظرة.. فستانها بسيط بلا أكمام يظهر استقامة كتفيها.. شعرها مرتخٍ بعشوائية وزينة خفيفة جدا على وجهها.. وهالة من رائحة رائعة تحيط بها.. زفر.. هذه الفتاة مثالية في كل شيء..وقفت حين التقيا.. لم تكن تنظر إليه.. كان في عينيها شيء منكسر.. لم يتعجب.. لقد آذاها مافعله في الداخل.. اقترب منها وبحركة خفيفة رفع وجهها كي تنظر إليه.. لم تقاومه ولكنها أغمضت عينيها.. شعرت بحرارة وجهه تقترب ثم بقبلة هادئة على جبينها.. أفلتها وتحرك باتجاه الباب.. سارت خلفه شاعرة بثقل لا يطاق في قلبها.. وضعت يدها على بطنها.. هذا كله بسببه.. هذا كله بسبب المخلوق الموجود في داخلها..
ركبا السيارة وانطلقا بصمت كامل.. لم ينطقا حتى وصلا.. أوقف السيارة على بعد مسافة.. نظر إليها.. قال بهدوء: لا أظن أنني بحاجة لأنبهك.. انت تعرفين، سنتظاهر بأننا عصافير حب لفترة من الزمان..
حولت نظرها إلى صفوف الصحفيين وأكوام الضيوف المحتشدين عند الباب وحول الدرج المؤدي لداخل مبنى الزواج الحكومي.. زفرت بقرف.. زيادة على كل عيوبه فكل مخلوق في الدولة يعرفه..
حرك السيارة إلى أمام المبنى.. تعالت الأسئلة وأصوات الكاميرات.. سحب نفسا عميقا ثم رسم على وجهه ابتسامة صغيرة ونزل.. أغمضت عينيها وشعرت بالاختناق.. نفسٌ آخر وابتسمت هي الأخرى حين فتح لها بابها.. مد لها يده فاتسعت ابتسامتها ونزلت وهي تحيط ذراعه بذراعها..
أعمتهما كثرة أضواء الكاميرات للحظات.. سارا عبر الطريق المفروش بسجاد أحمر صاعدين الدرج.. ثم إلى داخل القاعة.. جلسا على كرسيين متجاورين ومقابلهما كرسي المسؤول عن الزواج..
بملامح دافئة ورزينة: "هذا هو يوم حياتي.. هذا هو اليوم الأفضل.. أن تكون نصفي الآخر، والشخص الوحيد الذي أحب، عائلتي.. هذا يشبه حلما يتحقق.. ولن تكون لدي أمنية بعد هذا إلا أن نظل معا للأبد".
كانت تكاد تضحك من إتقانه للتمثيل.. صحيح أنهما يتظاهران بأمور كثيرة أمام الآخرين.. ولكن ليس لهذه الدرجة.. كان دافئا لدرجة أنه بدا صادقا بينما يدلك يدها المعانقة ليده فوق الطاولة بإبهامه بنعومة..
تمنى لوهلة أن يكون كل شيء حقيقيا.. تحمحم وهو يرفع نظره إلى المسؤول الذي سألهما عن موافقتهما ثم أعلنهما زوجا وزوجة.. التفت إليها والتفتت إليه.. علقت عيونهما ببعضها للحظات.. اقترب بخفة وقبّل شفتيها.. شعر بكفها تضغط على كفه بقوة كبيرة.. إنها تمر بلحظات بشعة وهو يتفهم ذلك.. ابتعدا قليلا.. همس: "هذه المرة أمام الجميع.. أنتِ لي.."
شعر بيدها تزيد قوة ضغطها وتنغرس فيه.. بينما ابتسمت ابتسامة مزيفة.نهضا وانشغلا باستقبال التهاني، اقترب والده منهما.. زفر يوسف، المزيد من التظاهر أمام الناس والكاميرات..
كان قد أفلت كفها ولف يده حول خصرها.. قال والده بابتسامة من الواضح أنه جاهد لإظهارها: أنا سعيد لأجلك يا عزيزي..
شعرت بيده تسحق خصرها بقوة مجنونة.. ضغطت على أسنانها بكل قوتها كي لا تصرخ من الألم.. غمغم: شكرا..
تكاثرت التهاني عليهما.. كلهم كانوا عائلته ومعارفه، لم يكن في المكان أحد مرتبط بها.
مع ذلك كانت كمية هائلة من الناس، أكثر من طاقتهما وتحملهما.. بعد ساعات قليلة أوقفت الموسيقى المرحة وخفتت الأنوار وتناثر الناس يرقصون على أنغام هادئة.
لفا يديهما حول بعضهما وبدآ رقصا هادئا في الوسط بينما حولهما رقص الآخرون..
أغمضت عينيها وأسندت رأسها على كتفه.. كانت تريد الانعزال عن كل هذا القرف المحيط..
خفض رأسه قليلا وهمس: ماذا يوحي لكِ كوني الشخص الوحيد الذي تعرفينه في هذا المكان؟
شدت على عينيها.. تابع وهو يمرر يده على ظهرها: ما الذي تشعرين به وأنتِ وحيدة.. بلا عائلة وبلا صديق وبلا أحد سواي؟
غمغمت: أنا لا أهتم..
: تهتمين.. إنني الشخص الوحيد.. عائلتك الوحيدة.. أنتِ بدوني لا أحد.. وليس لك غيري أحد..
شعرت برغبة في الضحك.. كلامه صحيح.. حتى لو ماتت فلن يعرف أحد سواه.. ليس لها أحد غيره..
: هذا لا يجعلك مهما..
: كلا.. ولكنه يجعلك غير مهمة دوني..
سكتت.. وساد الصمت لوهلة..
همست: تقول أنه أجمل يوم في حياتك إذا.. -ابتسمت بسخرية ورفعت رأسها- هذا هو اليوم الأسوأ في حياة كلينا..
حدق بها للحظات ثم أسند جبينه على جبينها.. سمح لملامحه الباردة أن تظهر: كلا.. أنا مرتاحٌ لأنك صرتِ ملكي ورقيا.. وليس معنويا فقط..
ضغطت على أسنانها.. لم يتعجب من ملامح الضيق الشديد التي ظهرت عليها.. قبل جبينها بلطف ثم همس: ستكون ليلتنا في البيت ليلة مسلية..
لم تكن في حال يمكن أن تتحمل فيها اقترابه.. قالت بتعب: ماذا تعني؟
: في آخر موعد ذهبنا فيه إلى الطبيبة.. أخبرتني أنه لا ضرر في عودتنا لعلاقتنا.. -ظهرت التسلية على ملامحه- الزوجية..
شعرت باختناق مع الصدمة: ماذا! لماذا لم...-سكتت للحظات- لقد طلبت منها ألا تخبرني!
مرر يده على خدها: سيكون هذا ألذ حين يكون في يوم زواجنا بعد طول انقطاع..
زفرت وهي تشعر بضيق في تنفسها.. ليست في مزاج مناسب لكل هذا.. قالت بيأس: متى ستتوقف عن فعل هذا بي؟ متى ستكون إنسانا؟
قربها إليه.. التصقا.. قرب شفتيه إلى أذنها: أبدا.. أبدا.. -مرر يده على رقبتها ثم انزلق إلى ظهرهاوخصرها- لن أمنع نفسي عن هذا الجسد أبدا يا منال..
اعتدلت في وقفتها بعصبية.. قبل أن تجيب كان صوت والده الذي كان يرقص مع ابنته بجوارهما: وقت التبديل يا عصافير!
قبل أن ينطق أي منهما دفع ابنته بخفة إلى يوسف وسحب منال إليه.. اتسعت عينا يوسف بسرعة وغضب وقبل أن يتصرف كان الإيقاع يسرع والناس تبدل وتتحرك بينهما بينما يبتعد والده هو الآخر بمنال.. صر على أسنانه بغضب شديد وهو يتحرك بتلقائية مع أخته وعيناه ثابتتان على والده ومنال.. سيقتل هذا الملعون.. ماذا سيقول لها؟
: يوسف؟
التفت إلى أخته.. لاحظ قلقها.. قال ببرود: أنا لا أعضّ يا سارة..
كانت علاقتها به سطحية جدا.. يلتقيان نادرا إذا جاء إلى بيتهم وفي المناسبات العائلية التي يذهب إليها مجبرا..
قالت بهدوء: تبدو غاضبا..
رفع حاجبيه بسخرية: هذا غريب.. لقد سحب ذلك المخلوق عروسي من يدي وابتعد بها.. لماذا سأغضب؟
تنهدت.. لم يعلق.. كان ينتظر انتهاء الرقصة بفارغ الصبر..
قالت بتردد: اسمع يا يوسف..
حدق بها مقطبا حاجبيه..
: هناك شيء رغبت في الكلام معك فيه منذ فترة.. لم أستطع التواصل معك.
عقد حاجبيه.. هل تعمدت أن تكون هي الشخص الذي يرقص معه حين يسحب والدهما منال من يديه؟
:ما الذي قد يكون بيننا كي نتكلم فيه؟
قالت بتوتر: علي إخبارك بالتفصيل.. هل يمكنني المرور لمنزلك غدا؟
زفر بضيق.. هذا ما كان ينقصه.. يكره كل شيء يذكره بعائلته وأبيه..: كلا..
تغير وجهها بصدمة.. قال ببرود: أنا لا أستقبل أيا منكم في منزلي.. تعرفين ذلك..
بلعت ريقها..: و..لكني.. إن الموضوع سري.. أنا بحاجة للمساعدة وليس عندي غيرك لأطلب منه..
قال بخشونة: كما أنني لا أساعد أحدا منكم.. تدبري أمركِ وحدك!
تغير وجهها.. أفلتها بلا مبالاة حين انتهت الرقصة وتحرك باتجاه أبيه ومنال..
في الوقت ذاته.. حين سحب والده منال.. تحرك بسرعة مبتعدا عن يوسف كي لا يتسنى له التبديل مجددا..
شعرت براحة كبيرة حين رأت والده.. يمكنها أن تحصل على معلومات عن والدها منه.. قال بجدية: مبروك؟ أم علي أن أعزيك؟
قالت بضيق: لا تكثر من هذا الهراء.. هناك سبب لفعلك هذا.. ماذا تريد أن تقول؟
: والدكِ هنا.. الآن!
تلون وجهها بصدمة: هنا! أين هو؟
: في آخر القاعة.. الزاوية اليمنى.. التفتي ببطء ولا تلفتي نظر يوسف كي لا يراه ويجنّ..
التفا خلال الرقص بمهارة بحيث أصبحت باتجاه القاعة.. ركزت النظر بحثا عنه.. خفق قلبها بجنون حين رأته منعزلا في زاوية القاعة وعيناه ثابتتان عليها.. خفض نظره باضطراب وتظاهر بالانشغال حين لاحظ بصعوبة أنها لاحظته.. ثم غادر بسرعة!
زفرت بانزعاج..
ابتسم والد يوسف: لن يكون هناك شيء يزعجه أكثر من هذا الزواج.. لا شك أنه سيجن غضبا.
قالت بجدية: هلا فصلت أكثر؟! لقد مللت من ألغازكما. ماهو الشيء العالق بينكما وبينه والذي قد يكون بهذا الحجم؟
زفر..: يصعب أن أصف لك سوء الوضع بيننا، إنها عداوة قديمة.. كانت عداوة تجارية، ثم صارت عداوة حقيقية حين عرفت أنه تسبب عمدا في موت زوجتي الأولى، أم يوسف.
اتسعت عيناها بصدمة.. إنها تعرف أن بينهم عداوة تجارية طويلة، كما تعرف أن اباها مجرم معروف في الاوساط التجارية بقذارته، ولكن، عملية اغتيال؟ لقد عاملها دائما احسن معاملة، وكان الأب المثالي الحنون، ورباها وحده احسن تربية. كل هذا جعل تقبل حقيقته اصعب.
لاحظت أن العزف على وشك الانتهاء.. سحبت نفسا عميقا وقالت: علينا أن نستكمل هذا الحديث.. أعطني رقم هاتفك.. بسرعة..
أخرج بطاقته من جيبه وناولها إياها بحركة سريعة فأخفتها في جيب فستانها..
قال بجدية: اسمعي يا منال.. أنا لا أكرهك.. لا علاقة لكِ بما فعل الملعون والدكِ.. -زفر- أنا سأساعدكِ لتعرفي ما تريدين عن والدكِ.. هذا سيضره ويضر يوسف في الوقت ذاته.. تواصلي معي في أي وقت..
قطع كلامهما حين توقفت الأغنية وأقبل يوسف بسرعة وبملامح وحشية يجاهد كي يكبتها.. أحاط كتفي منال بيده وقال من بين أسنانه: ابق بعيدا عن زوجتي.. هل تفهم؟ لا تصبني بالجنون.. إياك أن أراك قربها مرة أخرى!
رفع نظراته عن منال وقال باشمئزاز: منظرك الهائج هذا يصيبني بالغثيان.. لم تتغير منذ طفولتك!
شعر يوسف أنه سيجن.. تحرك بسرعة دون أن يجيب وسارت معه منال.. ودعا الناس بصعوبة ثم خرجا من المكان.. طار يوسف بالسيارة وهو يهز قدمه بعصبية..
كانت قلقة.. وخائفة فعلا..فهذا المزاج الفظيع سيفرغ عليها هي.
قال بصوت جامد: ماذا قال لك؟
أحست بمغص في بطنها.. كفاها ترتجفان وهي لا تستطيع حتى الكلام لشدة الخوف..
غمغم: لا تدعيني أكرر كثيرا.. هذا ليس جيدا لكِ..
أغمضت عينيها وقالت بهمس: سأقول لك.. فقط.. لا تؤذني..
التفت إليها بنظرة اقشعر لها بدنها..: لا أؤذيكِ؟ إنكِ ستشكريني لأني لا أسلخ جلدك عن لحمكِ!!
انكمشت.. وصلا.. أوقف السيارة بخشونة ونزل.. التف بسرعة حول السيارة وفتح بابها.. أمسك بمعصمها وسحبها.. سارت معه دون أن تنطق.. دخلا البيت.. دفعها للداخل.. حدق بها بعيون حمراء: ماذا قال لكِ؟
سحبت نفسا وحاولت أن تتماسك..: قال.. أن.. أن بينك وبين أحمد خلافات قديمة.
قبل أن تمر ثانية على إنهائها لجملتها كانت كفه تهوي على وجهها بصفعة رمتها على الأرض.
ضغطت على أسنانها ومسحت الدم الذي سال من أنفها.. وقف أمامها: انهضي!
نهضت بصمت.. أغمضت عينيها باستسلام.. شعرت به يدور حولها.. وضع يديه على فستانها من الأعلى ومزقه نصفين بحركة خشنة.. أفلته فسقط على الأرض..
وقفت أمامه شبه عارية.. قال بلهجة لا تقبل النقاش: افتحي عينيكِ..
فتحت عينيها محدقة في الأرض.. غمغم: انظري إلي..
رفعت عينيها باستسلام.. خوف كبير كان في نظرتها..
قال بصوت ثابت: يا منال.. سأعطيكِ فرصة واحدة.. أقسم أنها ستكون واحدة فقط.. سأكرر سؤالي.. ستجيبينني جوابا معقولا ومنطقيا.. أو سأمزق القطعتين الباقيتين عليكِ.. وستبقين هكذا أسبوعا.. فهمتِ.. يامنال؟
نظرت إليه وقالت بصوت هادئ: قال أن أحمد تسبب في موت والدتك.. وقال أنه كان موجودا في القاعة.. رأيته ولكنه اختفى فور أن لاحظني.. وهذا كل شيء.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...