قلّبت منال هاتفها في يدها بتفكير عميق وهي تعبث بشعر فارس الغافي في حضنها بيدها الأخرى، والذي كان بندق قد انضم إليه وتكوّر نائما فوق بطنه.
كانت تحدّق برقم هاشم، زوج أمّها، على الشاشة.
لم تكن واثقة برغبتها في التواصل معه مطلقا.. فالكلام معه ومع أمها سيرميها في جحيم أسوأ من الاشتياق لأبيها وافتقاده..
لم تكن تعرف ماذا تفعل.. إن التفكير بأبيها يعذّبها أكثر من أي شيء آخر.. لم يفلح يوسف على مدى كل هذه السنين، بكل إجرامه، بأن يجعلها تحس بألمٍ كذا.إنّ حتميّة الموت كانت تخيفها.. لم يكن أي شيء تفعله سيشكّل فرقا.. لقد انتهى أحمد، لقد ذهب، لقد اختفى إلى الأبد وصار عدماً. ومهما حاولت أن تخترع حلا لتلك المشكلة، مهما اشتاقت له وتاقت لمحادثةٍ واحدة على الأقل معه، لن تحصل على ذلك. ولهذا، وبسبب عجزها الكبير عن التعامل مع هذه المشكلة بأي طريقةٍ عدا الشعور بالألم الشديد القارص، كانت تفضّل الهروب من الأشياء التي قد تحفز ذلك الألم، مثل أمها وهشام..
صحيح أن ابتسام وأبناءها كانوا يخلقون في داخلها شعوراً شبيها، بقسوة الذكرى وحدّتها، ولكن ذلك بدأ يخف ويتقلص مع الوقت، بل في الواقع، صار وجودهم يخفف عنها ذلك الألم، لا يزيده.
لقد نجحت ابتسام بشكلٍ ما في جعل نفسها شيئا هاما وأساسيا في حياة منال.. لقد نجحت بحنانها اللطيف واهتمامها غير المزعج ولا المتطفّل، باحتواء منال التي لم يكن لها أم من قبل، والتي لم تحس يوما بأي اهتمام صحي لا ينطوي على أنانية أو أذى.
في الواقع، كل رعاية حظيت بها منال من قبل كانت سامةً للغاية، ومليئة بالاعتداء أو الهجران، سواء كان ذلك من يوسف، أو أحمد، أو أمها التي لم تمنحها إلا ساعاتٍ قليلة من الاهتمام قبل أن تنسحب مجددا من حياتها.
ولهذا، كانت الصورة الصحية للاهتمام والمحبة التي قدمتها ابتسام لمنال شيئا قيّما للغاية، دافئا وجديدا وثمينا بالنسبة لمنال، وذلك بالتحديد ماكان يخيف يوسف ويزعجه بخصوص ابتسام وعائلتها، إنهم بالنسبة له كانوا تهديداً، لقد كانوا العائلة الحقيقية الصحية التي ستستبدله وتنتزعه من قلب منال وحياتها.ارتعشت منال حين فكرت بيوسف.. تساءلت.. ماذا يفعل بالتحديد.. أين هو، والأهم من ذلك.. مع من؟
جزّت على أسنانها حين بدأت موجات الألم النفسي تتكالب عليها وترهقها، فبين التفكير بأبيها الغائب للأبد، ويوسف الذي مرت ساعاتٌ غريبة على اختفائه، كانت تحس بالهشاشة والتعب.تنهدت باستسلام ونقرت هاتفها لتتصل بهشام أخيرا.. فحتى لو لم تكن ترغب في دخول دوامته هو وأسماء، لم تكن تريد أن تتجاهله، فهي تعرف، وتوقن أنه رجل جيد، لقد كان هو من حث أسماء على التواصل معها وأنّبها على إهمالها لها، رغم أن منال ببساطة هي تذكار خيانة زوجته له. وكان هو من رضي بزيارة أسماء لأحمد في المستشفى رغم كل التعقيدات المتعلقة بذلك.. يمكنها أن ترى أنه شخص شهم ومتفهم وحكيم، ولم تكن تريد تجاهله وقت الحاجة..
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...