ركب يوسف صافقا الباب خلفه بقوة انزعجت منها منال.. ولكنها لم تعلق.. تعرف حساسيته من ابيها، ولا تريد استفزازه..
: ارى انك تسامحتِ مع ذلك المسخ واصبحت تقبلين مبادراته.
تنهدت.. لن يتركها وشأنها.. : لم اتسامح معه.. من الظريف انه يدعوك بالمسخ كذلك..
صر على اسنانه.. لم يكن عنده شيء يناقش من خلاله. لقد كان هو من قال لها ان بامكانها التواصل مع ابيها. وهو فعلا لا يرى معنى من منعها.. انه لا يطيق اباها ولكنه انتزعها من حضنه في طفولتها وعرضها لابشع المشاعر نتيجة لذلك. انه لا ينسى حالتها في الاشهر التي قضتها بعد اختفائه.. زفر وتذكر..=
فتح عينيه على صوت بكاء مكتوم.. زفز ونهض من سريره، جر نفسه جرا الى غرفتها.. فتح الباب ليراها نائمة، تتعرق بشدة بللت ملابسها، ملامحها متقلصة وهي تتأوه والدموع تذرف من عينيها المغمضتين، جسمها يتلوى وكفاها مشدودتان بشدة على الغطاء..
تنهد.. انها تتعذب في نومها.. لقد مرت اربعة اشهر منذ غياب ابيها ولازالت على هذه الحال..
اقترب منها وهزها..: منال.. هيه.. منال!
شهقت وفتحت عينيها دفعة واحدة.. ارتعبت حين رأته أمامها.. جلست وجاهدت كي تتنفس.. قطب حاجبيه محدقا بها.. انها تشهق بقوة، صوت مرعب يصدر مع كل نفس تحاول اخذه.. وجهها يحمر وهي تختنق.. انها نوبة هلع. جلس امامها ووضع كفيه على وجنتيها واجبرها على النظر اليه: منال.. اهدئي.. لن افعل لك شيئا. كل شيء على ما يرام.. اهدئي.
امتلأت عيناها بالدموع وازدادت شهقاتها حدة.. عض على شفته، رفع يده وصفعها.. اتسعت عيناها والتف وجهها بقوة.. ولكن تنفسها عاد.. اطرقت وشدت كفيها في حضنها وسكنت الا من انفاسها السريعة..
تنهد.. رفع يده ودلك وجنتها..: لم اكن اريد ايذاءك.. فعلت هذا كي تستطيعي التنفس فقط..
لم تنطق ولم تتحرك.. اقترب منها اكثر..: هل انتِ بخير؟
هزت رأسها بالايجاب.. ابعد يده عن وجنتها وقال بجدية: انظري الي.
لم تجرؤ على عصيانه.. رفعت وجهها اليه ببطء.. كانت عيناها مبتلتين وغائرتين رغم توقفها عن البكاء.. ووجهها متعبا.. تنهد بكآبة.. لا يجب ان يبدو وجه طفلة بهذا الشكل.. مسح وجنتيها بكفيه وقال بهدوء: لستِ بخير. انهضي، سنذهب لنتمشى.
قالت بصوت خافت: إنـ....
قاطعها بصرامة: لا تجادليني يا منال.
سكتت مباشرة. خرج من الغرفة، نهضت وتبعته.. ارتدى حذاءه وخرج. فعلت مثله. ركبا السيارة وحركها.. حدقت من النافذة بشرود.. قال بهدوء: عليك ان تعرفي يا منال، ان اباك لن يعود.
تغير وجهها وامتقع لونها.. قالت بصوت مرتجف: سيعود.
تنهد: لقد قال لك انه سيعود بعد عدة ساعات. لقد صارت الساعات اشهر. الا ينبئك هذا بشيء؟
همست: سـ.. سيعود.
: لن يفعل. عليك ان تقبلي هذا كي تستطيعي العيش. انني عائلتك الوحيدة وعليك ان تقبلي هذا من الان فصاعدا.
اغمضت عينيها بشدة وغمغمت بألم واضح: انت لست عائلتي. لا يعامل افراد العائلة بعضهم بهذا الشكل. انك غريب عني. وانك تكرهني. -تساقطت دموعها وشهقت- لا اعرف ماذا تريد مني. ولكنك لست عائلتي.
اوقف السيارة.. التفت لها.. قبض على فكها ببعض الخشونة واجبرها على النظر اليه..: انني عائلتك بالرغم من كل ماقلتِه. ليست كل العائلات متحابة ومتوافقة. لقد اوقعك حظك بعائلة مؤذية مثلي. اقبلي هذا الحظ. لن تتخلصي مني ابدا حتى تموتي. هل تفهمين؟
عضت على شفتها وتساقطت دموعها اكثر فاكثر.. تركها واعاد تشغيل السيارة.. وتركها تبكي حتى هدأت.. بعد فترة توقف أمام مقهى صغير وأحضر لها كوب حليب بالشوكولاتة. اخذته دون اعتراض.. شربته ثم ارخت رأسها على الباب ونامت دون شعور.
تنهد وعاد بالسيارة الى المنزل.. حملها واخذها معه الى سريره وناما.
في اليوم التالي رآها على كرسيها المعتاد بجانب النافذة، تحدق بشرود وتركيز.. وكأنها تركز طاقتها لتتمنى مجيئه..
هز رأسه بيأس وقرر انه قد حان وقت التدخل.. تقدم منها واسدل الستائر.. نظرت اليه باعتراض.. قال بجدية: اذا رأيت هذه الستائر مرفوعة سأحبسك في حمام بلا نوافذ لبقية حياتك. هل تفهمين؟
تغير وجهها.. انها تصدقه.. وليس عندها سبب واحد كي لا تفعل. قالت بهمس: نعم.
اضطرت للتخلي عن جلساتها امام النافذة، وبالتالي عن املها بعودة والدها.
=
![](https://img.wattpad.com/cover/244454403-288-k764006.jpg)
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...